القتل عبر الإنترنت.. كيف حوّلت كاميرا كولدبلاي لحظة شخصية إلى محاكمة جماهيرية؟

القتل عبر الإنترنت.. كيف حوّلت كاميرا كولدبلاي لحظة شخصية إلى محاكمة جماهيرية؟
جريمة عبر الإنترنت - أرشيف

في زمن الإنترنت، باتت الأخطاء الشخصية وقودًا لساحة أخلاقية مفتوحة يديرها جمهور غير مرئي. لم تكن الواقعة الأخيرة التي تصدرت مواقع التواصل الاجتماعي، والتي ظهر فيها الرئيس التنفيذي لشركة “أسترونومر”، آندي بايرون، وهو يحتضن مديرة قسم الموارد البشرية في حفل موسيقي لفرقة كولدبلاي، مجرد قصة خيانة أو خطأ فردي، بل تكشف عن ظاهرة أوسع تُعرف بـ"القتل الأخلاقي عبر الإنترنت"، حيث تتحول الحياة الخاصة إلى مشهد عمومي مفتوح للحكم والتشهير.

ربطت صحيفة "واشنطن بوست" الواقعة بالاتجاه المتصاعد لاستخدام وسائل التواصل أداةً للرقابة الشعبية، التي تصدر أحكامها دون محاكمات، وتنفذ عقوبات جماعية بلا قواعد إجرائية.

وأظهر الفيديو الذي انتشر من حفل كولدبلاي في بوسطن بايرون وكريستين كابوت في لحظة رومانسية، اعتبرها البعض دليلاً على خيانة، وأطلق عاصفة من التعليقات تجاوزت 62 مليون مشاهدة على تيك توك وحده، وامتدت لتشمل أسماء عائلاتهم وتفاصيل حياتهم الخاصة.

بايرون وكريستين كابوت

ثقافة "العار العلني"

بحسب "واشنطن بوست"، فقد تطورت ثقافة "العار العلني" من حدث فردي إلى ممارسة شبه منتظمة، لا تقتصر على الشخصيات العامة، بل تطول الآن موظفين ومديرين ومواطنين عاديين.

وصف أحد النقاد الثقافيين الظاهرة بأنها أشبه بـ"بانوبتيكون رقمي"، حيث يراقب الجمهور، ويُدين، ويعاقب، دون تفويض أو محاسبة، الأمر تجاوز تسجيل اللحظة إلى البحث عن آثارها، حيث تم حذف حسابات الطرفين على "لينكد إن" وتعرضت عائلاتاهما لضغوط اجتماعية واسعة.

من جهة الشركة، أصدرت "أسترونومر" بيانًا رسميًا -كما أوردت “الغارديان”- أعلنت فيه التزامها بقيم الشفافية والمساءلة، مؤكدة فتح تحقيق داخلي في الواقعة، ولاحقًا، تم إعلان إيقاف بايرون عن العمل، وتعيين رئيس تنفيذي مؤقت، ما أعطى الحادثة بعدًا مؤسسيًا لا يقل حدة عن طابعها الاجتماعي.

ظاهرة التشهير الجماعي

ووفقًا لتحليل "واشنطن بوست"، فإن ظاهرة التشهير الجماعي تفترس خصوصية الأفراد، وتعيد تشكيل العلاقة بين الحياة العامة والحياة الخاصة، وتتضاعف هذه الإشكالية في ظل توسع رقعة المراقبة عبر الكاميرات الرقمية، من لوحات الملاعب إلى تطبيقات الجرس المنزلي، ما يجعل من المستحيل تقريبًا أن يظل خطأً بسيطاً غير مرئي، حتى في الفضاء الترفيهي، كما في حالة حفل كولدبلاي، يمكن لتحول عفوي على الشاشة أن يتحول إلى محكمة جماهيرية.

التقارير التي نقلتها "أكسيوس" أكدت أن فصل بايرون وكابوت تم سريعًا، رغم أن التفاصيل تشير إلى مفاوضات معقدة حول الاستقالة وحزم الخروج، ما يعزز التساؤلات حول ما إذا كانت قرارات الفصل تأتي استجابةً لضغط الرأي العام، لا لمعيار مؤسسي راسخ.

وفي خلفية هذه القصة تتوارى مفاهيم مركزية في الحقوق، مثل الحق في الخصوصية، والحق في محاكمة عادلة حتى في بيئة العمل، والتناسب بين الفعل والعقوبة.

بعض المحللين يرون أن الحماسة الرقمية لمعاقبة الشخصيات المخطئة أو المثيرة للجدل لا تراعي البُعد الإنساني، ولا تترك مجالًا للتراجع أو التصحيح.

وتشير "واشنطن بوست" إلى أن حالات التشهير هذه لا تمر بلا آثار، فالكثير من الأشخاص الذين تعرضوا لمثل هذه الموجات فقدوا وظائفهم، وتعرضوا لانهيارات نفسية، وعانوا من عزلة اجتماعية قاسية، الأسوأ من ذلك أن هذه الحملات كثيرًا ما تبدأ من فرضيات، لا من حقائق، ولا تجد طريقها إلى المحاسبة إذا اتضح الخطأ.

السلوك الشخصي والمؤسسي

وتساءلت "الغارديان" عن حدود المسؤولية بين السلوك الشخصي والسلوك المؤسسي، خصوصًا حين يكون الفضاء الذي وقعت فيه الواقعة خارج أسوار العمل، لكن عندما يكون الطرفان في مراكز قيادية، فإن العلاقة بين الحياة الشخصية والمهنية تصبح محل تساؤل شرعي، خاصة من منظور تضارب المصالح واحترام التسلسل الإداري.

وفي النهاية، لا أحد يعرف كيف ستنتهي هذه القصة، لكن ما يبدو مؤكدًا أن القضية لم تكن فقط عناقًا على شاشة، بل اختبار دقيق لحدود الخصوصية، ومدى تأثير وسائل الإعلام الجماهيرية على اتخاذ القرارات في الفضاء المؤسسي. لقد تحول حفل موسيقي إلى منصة لحسابات أخلاقية مفتوحة، ولحظات خاصة إلى مادة للفرجة والتشهير، وأكد مرة أخرى أن الرقابة لم تعد قادمة من السلطة، بل من الهاتف المحمول في يد كل متفرج.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية