فريق ياباني يحوّل ثاني أكسيد الكربون ونفايات الألواح الشمسية إلى موارد قيّمة
فريق ياباني يحوّل ثاني أكسيد الكربون ونفايات الألواح الشمسية إلى موارد قيّمة
في خطوة قد تُحدث تحولًا نوعيًا في مساعي العالم لمواجهة أزمتَي المناخ والنفايات الإلكترونية، تمكن فريق بحثي ياباني من تطوير تقنية مبتكرة تستثمر ثاني أكسيد الكربون المنبعث من محطات الطاقة وتحوله مباشرة إلى مركبات عضوية عالية القيمة، والأهم أن هذه العملية تستفيد أيضًا من رقائق السيليكون المستخلصة من الألواح الشمسية التالفة، لتطرح بذلك حلًا مزدوجًا يجمع بين مكافحة الاحتباس الحراري وتقليل النفايات الإلكترونية.
قاد هذه الدراسة باحثون من جامعة يوكوهاما في اليابان بالتعاون مع المعهد الوطني للعلوم الصناعية المتقدمة والتكنولوجيا (AIST) وشركة تنمية الطاقة الكهربائية، وتم نشر نتائجها مؤخرًا في مجلة ACS Sustainable Resource Management.
تقنية تجمع بين الابتكار والاستدامة
تقوم الفكرة الجوهرية للتقنية على استخدام مسحوق السيليكون المستخرج من رقائق الألواح الكهروضوئية المستعملة بعد معالجته بحمض الهيدروكلوريك لإزالة شوائب الألمنيوم، ما يزيد فعاليته كعامل مختزل قوي. بعدها، يُدخل الغاز العادم الحقيقي لمحطات الطاقة الحرارية -الذي يحتوي عادةً على تركيز يقارب 14% من ثاني أكسيد الكربون- في تفاعل مباشر مع هذا المسحوق المعالج والماء، باستخدام محفز كيميائي خاص يُعرف باسم “فلوريد رباعي بيوتيل الأمونيوم”.
وبحسب ما أوضح البروفيسور كين موتوكورا، المؤلف الرئيسي للدراسة، أسفر التفاعل عن إنتاج حمض الفورميك بنسبة تصل إلى 73%، إضافةً إلى مركب الفورماميد، وهما مركبان يُستخدمان على نطاق واسع في الصناعات الدوائية والكيميائية والزراعية، هذه النتيجة لافتة لأنها تحقق التفاعل مباشرةً دون الحاجة إلى فصل أو تنقية مُكلفة لغاز ثاني أكسيد الكربون، ودون الحاجة كذلك لدرجات حرارة أو ضغوط مرتفعة، مما يقلل بشكل ملحوظ استهلاك الطاقة ويزيد من جدوى التطبيق الصناعي.
أزمة بيئية عالمية تبحث عن حلول
على مدى العقود الماضية، مثّل ثاني أكسيد الكربون أكبر تحدٍ في معركة العالم ضد تغير المناخ، فهو المسؤول الرئيسي عن ظاهرة الاحتباس الحراري وارتفاع درجات الحرارة العالمية، في ظل زيادة كبيرة في استهلاك الطاقة الأحفورية، في المقابل، ومع التوسع السريع في استخدام الطاقة المتجددة، بدأت تظهر مشكلة بيئية جديدة تتمثل في تراكم ملايين الأطنان من الألواح الشمسية التالفة مع انتهاء عمرها التشغيلي، حيث تُقدّر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA) أن يصل حجم هذه النفايات إلى نحو 78 مليون طن متري بحلول عام 2050.
هذه التحديات فرضت على العلماء والمبتكرين البحث عن حلول غير تقليدية لا تقتصر على التخلص من النفايات، بل تحويلها إلى موارد جديدة تسهم في بناء اقتصاد دائري، تقل فيه الحاجة للمواد الخام الجديدة وتقل معه الانبعاثات.
الاقتصاد الدائري.. من الانبعاثات إلى الثروة
تتلخص التقنية اليابانية في الدمج بين مسارين كان يُنظر إليهما عادة بشكل منفصل هما خفض الانبعاثات وإعادة تدوير النفايات الإلكترونية، فبدلًا من أن ينتهي السيليكون، وهو من أثمن المواد في الألواح الشمسية، إلى مدافن النفايات، يُعاد توظيفه كمكون رئيسي في تفاعلات كيميائية تُحوّل ثاني أكسيد الكربون إلى مواد صناعية مهمة، وبهذا يصبح الغاز الملوِّث للبيئة مصدرًا لمركبات تدخل في إنتاج الأسمدة، والأدوية، والكيماويات الزراعية.
الأهم أن التفاعل يتم في ظروف معتدلة، مستفيدًا من خصائص السيليكون كونه مانحاً طبيعياً للإلكترونات، ما يُقلل الكلفة التشغيلية للطاقة مقارنةً بالطرق التقليدية، ويزيد من جدوى التوسع الصناعي للتقنية.
تقييم المؤسسات الدولية وآفاق مستقبلية
يرى خبراء البيئة والصناعة أن مثل هذه الابتكارات تُمهّد الطريق نحو حلول عملية لتحديات تبدو عصية على الحل، فحتى الآن، واجهت جهود احتجاز الكربون انتقادات بسبب تكلفتها العالية وعدم جدوى إعادة استخدام الكربون المحتجز في صناعات مربحة، أما هذه التقنية، فتتجاوز تلك العقبات عبر الجمع بين إزالة ثاني أكسيد الكربون وإنتاج مواد ذات قيمة مضافة.
كما تشير تقارير منظمات دولية -منها تقرير صدر مؤخرًا عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة- إلى أن الجمع بين تقنيات الاقتصاد الدائري وحلول خفض الكربون يمثّل أحد أكثر المسارات الواعدة لتحقيق أهداف اتفاق باريس للمناخ.
تحديات التطبيق على نطاق واسع
رغم ما تحققه هذه التقنية من وعود، تبقى أمامها تحديات عملية لتطبيقها صناعيًا بشكل واسع، ومنها تأمين كميات كبيرة من السيليكون المستعمل بجودة مناسبة، وتطوير خطوط إنتاج قادرة على التعامل مع الغاز العادم بشكل مستمر، بالإضافة إلى ذلك، ستحتاج الأسواق والصناعات الكيماوية إلى التكيف مع منتجات جديدة ناشئة من عمليات تحويل الكربون.
في النهاية، تُثبت هذه الدراسة كيف يمكن للعلم والابتكار أن يفتحا آفاقًا جديدة في مواجهة أزمات بيئية تبدو معقدة، فبدلاً من أن يكون ثاني أكسيد الكربون مجرد عبء ثقيل على الكوكب، قد يصبح موردًا قيّمًا، وبدلاً من أن تتحول الألواح الشمسية المستعملة إلى عبء جديد، يمكن أن تصبح جزءًا من دورة إنتاج صديقة للبيئة، إنه نموذج مُلهم يُعيد تعريف العلاقة بين التنمية المستدامة والتكنولوجيا لمصلحة الأجيال القادمة.