تصاعد تهديدات طهران بالخارج.. كيف يحوّل النظام معارضيه إلى أهداف في الشتات؟

تصاعد تهديدات طهران بالخارج.. كيف يحوّل النظام معارضيه إلى أهداف في الشتات؟
إيران

حذّرت أجهزة استخبارية غربية خلال الأسابيع الأخيرة من تصاعد أنشطة تمسّ بالأمن الشخصي لمعارضي النظام الإيراني خارج طهران، مع ما وصفته تقارير بأنه استخدام شبكات إجرامية وعناصر بالوكالة لتهديد وابتزاز وربما استهداف معارضين وصحفيين في كندا وأوروبا وأمريكا الشمالية.

 التحذيرات جاءت بعد موجة تهديدات طالت موظفين في فضاء إعلامي معارض ودفعت حكومات إلى إصدار بيانات إدانة مشتركة ووكالات حقوقية إلى رفع الصوت، وفق “Global News”.

نمط التهديد وأساليبه

التحقيقات والاستخبارات تشير إلى أن نمط التهديد لم يعد يقتصر على حملات تشهير إلكترونية أو مضايقات على وسائل التواصل، بل يتضمّن تهديدات بالقتل، ورسائل تخويف مباشرة لأفراد العائلة، بل ومحاولات اختطاف أو ترتيب عمليات نقل قسري إلى خارج الدول المضيفة.

وربطت تقارير إعلامية وقنوات حقوقية هذه الحملات بجهات استخباراتية إيرانية تستخدم في بعض الأحيان وسطاء من شبكات إجرامية عبر الحدود لتنفيذ أعمال تخريبية أو جسدية، هذه الخلاصة تدعمها بيانات استخباراتية وتحذيرات حكومية إضافة إلى شكوى رفعها طرف إعلامي طالباً تدخل الأمم المتحدة، بحسب إيران "إنترناشيونال"

الصحافة والتهديد المباشر

وفجرت قناة إيران إنترناشيونال ونقاشات إعلامية وثقافية واسعة قضية مقلقة تتمثل في ما لا يقل عن 45 صحفياً من العاملين مع الشبكة وأرقام كبيرة من ذويهم في ثماني دول تلقوا تهديدات مباشرة، وبعض العائلات داخل إيران تعرضت للاعتقال للضغط على الصحفيين بالخارج. 

هذه الواقعة تحول التهديد من سلوك تكتيكي لقمع الخصم إلى سياسة ترهيب عابرة للقارات تستهدف قلب حرية الصحافة وحق الجمهور في المعلومة، ودعت المنظمات الإعلامية دعت إلى حماية عاجلة للصحفيين وإجراءات دولية لوقف الملاحقات. 

ردود فعل دولية

الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أوروبية وكندا أصدرت بياناً مشتركاً نددت فيه بمحاولات القتل والاختطاف والمضايقات على أرض الدول المضيفة، ووصفته بأنه انتهاك لسيادة تلك الدول ودعوة إلى تحرّك مشترك لصدّه، كما شهدت الساحة الأوروبيّة والكانادِيّة تنسيقاً أمنياً ومراجعات لإجراءات الحماية لمنظمات المجتمع المدني والإعلاميين المعرضين للخطر.

الموضوع لم يغب عن مرجعيات حقوق الإنسان، فقد سلط المكتب الأممي لحقوق الإنسان ومنظمات مثل هيومن رايتس ووتش وفريدوم هاوس الضوء على ظاهرة "القمع عبر الحدود" ودعت الدول المستضيفة إلى اعتماد حماية قانونية عملية للمعارضين واللاجئين، وإلى مساءلة الجهات التي ترتكب أعمالاً من شأنها أن تمس حق الحياة والسلامة الشخصية، كما طالبت منظمات حقوقية والأطراف المعنية الأمم المتحدة بفتح تحقيقات وتفعيل آليات خاصة لحماية المدنيين والصحفيين.

الأدلة والافتراضات

الجهات الأمنية الغربية تؤكد وجود تحقيقات جارية بشأن رسائل وتهديدات محددة وعمليات ارتباط مع شبكات إجرامية، لكنها في المقابل تشدد على حساسية العمل الاستخباري وضرورة حماية المصادر، ما يجعل أمام الرأي العام فراغاً في التفاصيل المعلنة، هذا الفراغ يترك المجال للاتهامات المتبادلة وسياسات دبلوماسية متوترة، وفي بعض الأحيان لإشاعات يمكن أن تستغلها طهران لتبرير خطوات داخلية أو ردّ فعل.

التهديدات لا تستهدف شخصاً واحداً فقط، بل تفرض حالة رعب وصدّ داخلي في الجاليات الإيرانية بالدول المضيفة، حيث يخشى اللاجئون والناشطون العودة إلى زيارات عائلية، الصحفيون يقيدون تحركاتهم، أسرهم تعيش قلقاً يومياً، والتأثير يمتد أيضاً إلى حقل العمل المدني والسياسي في الشتات، حيث تقلّ المقابلات العامة والفعاليات احتجاجاً على الخوف من الانتقام، ما يضعف قدرة المعارضة السلمية على التعبير والتأثير.

ردود فعل بلدان الاستقبال

في كندا، وفق تقارير إعلامية واستخباراتية، جرى تشديد إجراءات الحماية وزيادة المراقبة والتحقيقات في تهديدات مرتبطة بطهران، كما شجعت دول أوروبية على تبادل المعلومات الاستخباراتية وتنسيق تحفظات أمنية حول شبكات إجرامية يُعتقد أنها تعمل بالوكالة، وأعاد البيان المشترك للدول الكبرى التأكيد على أن توظيف شبكات إجرامية لعمليات اغتيال أو اختطاف يُعد انتهاكاً لسيادة الدول ويستوجب ردعاً متعدد الأطراف. 

العودة إلى أساليب خارج الحدود لإسكات المعارضين قد تكون مؤشراً على ازدياد التوترات الإقليمية وتردّد العقل الاستراتيجي لدى بعض النخبة داخل النظام، لكنها أيضاً تخلق دائرة انتقام ممكنة وتصعيداً دبلوماسيًّا وقانونياً، والسيناريو الأكثر خطورة يتضمن مواجهات استخبارية وقانونية بين دول تستضيف المعارضين وطهران قد تؤثر على علاقات أوسع وتفاقم عزلة النظام أو، بالعكس، تغذّي سياسات داخلية قمعية أكثر.

ووفق منظمات حقوقية فإن المشهد الراهن يتطلب استجابة مزدوجة تتمثل في حماية فورية وقابلة للقياس للأفراد المعرّضين (صحفيين، وناشطين، ولاجئين) في دول المهجر، وتحرك دبلوماسي وقانوني متناسق لإثبات المسؤولية ومساءلة مرتكبي العمليات العابرة للحدود وقطاعيّتهم، كما على المجتمع الدولي أن يوسع أطر التعاون الاستخباري والجنائي، وأن يدعم طلبات اللجوء والحماية للمعارضين، ويستثمر آليات الأمم المتحدة المتاحة لحماية الحقوق الأساسية.

حالات القمع عبر الحدود ليست جديدة، فتقارير هيومن رايتس ووتش وفريدوم هاوس ودراسات أوروبية وثّقت خلال السنوات الماضية أن دولاً عدة تستخدم أدوات غير تقليدية لوقف نشاط معارضيها في الخارج. 

ما يميز الموجة الحالية تصاعدها بعد توترات إقليمية أوسع وتصاعد استخدام شبكات إجرامية ووكلاء محليين لتنفيذ عمليات قد تصل إلى مستوى القتل أو الاختطاف، وهو ما دفع دولاً غربية إلى تفعيل آليات التعاون الأمني وإصدار بيانات إدانة مشتركة، كما دفع منظمات إعلامية وقانونية لطلب حماية أممية عاجلة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية