بيئة عمل أكثر إنصافاً.. مشروع نسوي يعيد الاعتبار لحقوق النساء في سوق العمل المصري

بيئة عمل أكثر إنصافاً.. مشروع نسوي يعيد الاعتبار لحقوق النساء في سوق العمل المصري
جانب من المؤتمر الختامي لمشروع مؤسسة "المرأة الجديدة" في مصر

اختتمت مؤسسة المرأة الجديدة مشروعها المعني بتعزيز العدالة وتوفير بيئة عمل آمنة للمرأة المصرية، بعد ما يقارب 3 سنوات من العمل المتواصل، في تجربة وصفتها المشاركات بأنها رحلة متكاملة جمعت بين التمكين المعرفي والتدخل العملي والتأثير على السياسات العامة.

وذكرت وكالة أنباء المرأة في تقرير لها الجمعة أن المؤتمر الختامي جاء ليضع خلاصة هذه التجربة أمام صناع القرار والمهتمين بقضايا العمل والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، مسلطا الضوء على واقع المرأة المصرية في سوق العمل، والتحديات التي ما زلن يواجهنها في القطاعين الرسمي وغير المنظم.

أوضحت الوكالة أن المؤتمر الذي عُقد يوم 25 ديسمبر الجاري لم يكن مجرد فعالية ختامية، بل مساحة مفتوحة لتقييم النتائج وتبادل الخبرات، وبحث سبل استدامة المبادرات، في ظل واقع اقتصادي واجتماعي معقد تعيشه النساء العاملات، خصوصا في القطاعات الأكثر هشاشة.

واقع نسوي تحت الضغط

أظهرت مداخلات المشاركات أن النساء في سوق العمل المصري يواجهن تحديات متراكمة، تبدأ من فجوات السياسات وتنتهي بمخاطر حقيقية تمس السلامة الجسدية والكرامة الإنسانية، ففي الاقتصاد غير المنظم، حيث تغيب الحماية القانونية والاجتماعية، تتعرض العاملات لانتهاكات متعددة تشمل العنف اللفظي والجسدي، وغياب شروط السلامة، وانعدام الاستقرار الوظيفي.

كما برزت قضية مخاطر النقل، خاصة في القطاع الزراعي، كأحد أخطر التحديات التي تهدد حياة العاملات، حيث تحولت حوادث الطرق إلى معاناة يومية صامتة لا تحظى بالاهتمام الكافي في السياسات العامة.

ثلاث سنوات من العمل الميداني

على مدار نحو 3 سنوات، نفذت مؤسسة المرأة الجديدة مشروعها في محافظات القاهرة والإسكندرية وقنا، مستهدفة تعزيز دور النقابات العمالية والجمعيات الأهلية في تفعيل أجندة التنمية المستدامة 2030 من منظور النوع الاجتماعي، وركز المشروع على بناء جسور حقيقية بين العمل الحقوقي والواقع الميداني للنساء العاملات.

وشمل المشروع برامج تدريبية متخصصة لبناء القدرات، استهدفت العاملات والنقابيين والكوادر المجتمعية، بهدف تمكينهم من أدوات علمية ومعرفية لرصد أوضاع العمل وتحليل التحديات، سواء في القطاع الرسمي أو غير الرسمي. وأسهمت هذه البرامج في رفع الوعي بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وتعزيز القدرة على المطالبة بها.

رؤية نقدية لسوق العمل

وقدمت المديرة التنفيذية لمؤسسة المرأة الجديدة، نيفين عبيد، قراءة نقدية لواقع المرأة في سوق العمل المصري، مشيرة إلى الفجوة الواضحة بين السياسات المخططة والواقع المعيشي للنساء، خاصة في العمل غير المنظم الذي يضم العمالة اليومية والحرة وصغار المنتجين خارج مظلة الحماية الرسمية.

وأكدت عبيد أن دور الجمعيات الأهلية لا يقتصر على تقديم الخدمات، بل يمتد إلى طرح البدائل والسياسات القادرة على ضمان حقوق النساء، مشددة على أن تمكين المرأة في القطاع الزراعي يمثل مدخلا أساسيا لتحقيق الأمن الغذائي والمساواة الاقتصادية، واعتبرت أن مكافحة التمييز وتكافؤ الفرص ليست أهدافا مرحلية، بل مسار طويل يتطلب تكاتف جميع الأطراف لتحقيق أثر مستدام.

بناء القدرات أساس التمكين

من جانبها، أوضحت مي صالح، مديرة برنامج النساء والعمل والحقوق الاقتصادية، أن المشروع لم يكن وليد اللحظة، بل سبقه إعداد طويل، وارتكز خلال تنفيذه على 3 محاور رئيسية هي بناء القدرات، والإنتاج المعرفي، والتطوير التشريعي.

وأشارت إلى أن هذه المحاور أسهمت في تعزيز مهارات العاملات في مختلف أنحاء مصر، وتمكين النقابيين من أدوات علمية لرصد واقع العمل والانتهاكات المرتبطة به، مؤكدة أن التغيير الحقيقي يبدأ من المعرفة، ويتحول إلى فعل عندما يُدعم ببيانات دقيقة وتحليل مهني.

منصات المعرفة والتوثيق

واستعرضت مي صالح منصة العمل والمساواة، التي جرى تطويرها ضمن المشروع لتكون مرجعا شاملا للباحثين والنقابيين والمهتمين بقضايا العمل من منظور النوع الاجتماعي، وتضم المنصة تقارير رصد ميدانية، ومواد توثيقية، ومقالات كتبها نقابيون يعبرون فيها عن تجاربهم المباشرة.

وأكدت أن المنصة ليست مجرد مخزن للمعلومات، بل أداة تفاعلية تتيح متابعة التحديات والفرص بشكل مستمر، وتسهم في إنتاج معرفة موثوقة تعكس الواقع الفعلي لسوق العمل.

كما سلطت الضوء على مرصد 190 المستوحى من اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 190، والذي أصدر 3 تقارير نوعية تناولت أوضاع العمالة في القطاع غير المنظم، والقطاع المنظم، إضافة إلى تقرير أرواح في الهامش، الذي وثق حوادث الطرق التي تتعرض لها العاملات في القطاع الزراعي. وأسهمت هذه التقارير في تقديم توصيات ملموسة لتحسين بيئة العمل وتعزيز الحماية.

من التشريع إلى التطبيق

وشهد المشروع تفاعلا مع مسار تطوير السياسات والتشريعات، حيث جرى مناقشة قانون العمل الموحد، والاتفاقية الدولية رقم 190 المتعلقة بالقضاء على العنف والتحرش في عالم العمل، كما جرى التعاون مع وحدات تكافؤ الفرص ووحدات المساواة بين الجنسين لتعزيز دورها.

وأثمر هذا التعاون عن إصدار دليل مبسط لتعزيز الآليات الوطنية للحماية من العنف والتمييز، ليكون أداة عملية تربط العاملات بالجهات المختصة، وتساعدهن على معرفة حقوقهن وسبل الحماية المتاحة.

قصص نجاح واقعية

ولم يقتصر أثر المشروع على التنظير، بل تجسد في تجارب عملية، من بينها تجربة شركة نايل لينين جروب، حيث جرى تفعيل سياسة حماية داخلية، وإنشاء دار حضانة للعاملات، في خطوة عكست إمكانية ترجمة المبادئ الحقوقية إلى سياسات ملموسة داخل أماكن العمل.

وطرح المشروع أهمية تفعيل خريطة المسؤولية المجتمعية للشركات، لرصد التزامها بالمعايير الاجتماعية والحقوقية، وتعزيز الشفافية، ودور المجتمع المدني في مراقبة السياسات الداعمة للمرأة داخل القطاع الخاص.

استدامة الأثر والعمل المشترك

أكدت المشاركات في المؤتمر الختامي أن المشروع لم يكن برنامجا قصير الأمد، بل مسار متكامل لتعزيز العدالة وتوفير بيئة عمل آمنة للمرأة المصرية، وشددن على أهمية التشبيك بين المؤسسات النسوية والجمعيات الأهلية والنقابات لضمان استدامة المبادرات، وربط العمل الحقوقي بالتطبيق العملي، بما يتسق مع أهداف التنمية المستدامة 2030.

يأتي هذا المشروع في سياق تحديات متزايدة تواجه النساء في سوق العمل المصري، حيث تتقاطع الأزمات الاقتصادية مع هشاشة الحماية الاجتماعية، خاصة في الاقتصاد غير المنظم. وتؤكد التجارب أن التمكين الحقيقي للمرأة يبدأ من بناء القدرات، واستثمار المعرفة، وتطوير السياسات بشكل مستمر، مع شراكة فعالة بين الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص، كما أن استدامة الإنجازات تظل رهنا بالعمل المتواصل، والرصد الدقيق للواقع الميداني، والالتزام بتوفير بيئة عمل عادلة وآمنة للمرأة في جميع القطاعات، بما يعزز المساواة ويدعم مسار التنمية المستدامة على المدى الطويل.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية