جلد علني في أفغانستان.. عقوبة جسدية بمسوغات دينية في زمن "طالبان"
جلد علني في أفغانستان.. عقوبة جسدية بمسوغات دينية في زمن "طالبان"
عاد مشهد الإعدامات والجلد العلني ليطفو مجدداً على الواجهة في أفغانستان بعد سيطرة حركة طالبان على الحكم، لكن ما يميّز الوضع الحالي هو اتساع وتيرة هذه العقوبات وتحولها إلى أداة يومية للإنضباط الاجتماعي بمسوغات دينية وسياسية، وتطالب منظمات حقوقية دولية الحكومة الواقعة تحت سيطرة طالبان بوقف هذه الممارسات فوراً وبتطبيق المعايير الدنيا لحقوق الإنسان، معتبرة أن الجلد العلني ليس مجرد شكل من أشكال العقاب بل عملية تعنيف جماعي تقوّض كرامة الضحايا ومجتمعات بأكملها.
مدى الأزمة والأرقام المؤثرة
تشير تقارير محلية ودولية إلى ارتفاع في حالات عقوبة الجلد العلني خلال فترات متقاربة، في بعض الشهور جُلِد عشرات الأشخاص علناً بتهم تراوح من الفساد الأخلاقي إلى السرقة والاتجار بالمخدرات، وقد أوردت صحف ومواقع إخبارية تقارير عن أكثر من ثمانين حالة جلد علني في شهر واحد، في حين أن أرقاماً أممية وسابقة أظهرت مئات الحالات على مدى أشهر، وفي تقرير للأمم المتحدة سابقاً رُصدت مئات الحالات في فترات ستة أشهر، ما يعطي مؤشراً على أن ممارسة الجلد لم تعد استثناءً بل جزء متصاعد من المشهد القضائي-العقابي، هذه الأرقام لا تصف حالات قانونية فحسب، بل تؤشر إلى طبيعة نظام يعيد تشكيل قواعد العدالة عبر العقاب العام وفق شبكة "KabulNow".
تستهدف أحكام الجلد العلني أشخاصاً اتهمتهم سلطات طالبان بخرق معايير الآداب، بينهم نساء اتهمن بالتجول بلا محرم أو بمخالفة لباس مفترض، ورجال بتهم كالسرقة أو الاتجار بالمخدرات وقد وثقت منظمات حقوقية وثقت حالات جلد قُصفت فيها حقوق المتهمين في توفير دفاع قانوني أو تحقيق مستقل، ما يجعل هذه الممارسات مضافةً إلى عنفها الجسدي هو ما يلحقه من وصمة اجتماعية تطيح بالفرص الاقتصادية والاجتماعية للضحايا وعائلاتهم. وفق منظمة العفو الدولية.
غياب الإجراءات القانونية الواجبة
تكررت انتقادات الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية لغياب ضمانات المحاكمة العادلة في تلك العمليات فقد تحدثت تقارير مكتب مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ومجموعات مدنية عن تنفيذ عقوبات دون محاكمات شفافة أو دون إتاحة وصول الدفاع، وهو ما يجعل عقوبة الجلد شكلاً من المعاملة القاسية والمهينة التي تحظرها المواثيق الدولية، وتتمثل دعوات الخبراء الأمميين في ضرورة إيقاف الأحكام العلنية فوراً والتحقيق في الانتهاكات التي تُسجل أثناء الاحتجاز والمحاكمة والتنفيذ، وفق المفوضية السامية لحقوق الإنسان ومنظمة "هيومن رايتش ووتش".
أثر العقوبة في الضحايا والمجتمع
تقول صحيفة "الغارديان" البريطانية في هذا السياق، إن الجلد العلني لا يقتصر أثره على الإصابة البدنية المؤلمة، بل يمتد إلى الاغتراب الاجتماعي وفقدان السمع للضمير الذاتي، وتصف شهادات ناجيات وناجين التوبيخ والحرمان من فرص العمل والتعميم السلبي في المجتمع. للنساء كثمن إضافي إذ تُضاعف الوصمات احتمالات العنف داخل الأسرة والتمييز في الخدمات، وتفقد الفتيات فرص العودة إلى المدرسة بسبب الإحراج والهامشية الاجتماعية.
مسوغات طالبان ورد القانون الدولي
تبرر سلطات طالبان هذه الإجراءات باعتبارها تطبيقاً لتفسيرها الخاص للشريعة، معتبرة أن الجماعية في العقاب وسيلة لردع الانحرافات، وهذا التفسير لا يحظى بالإجماع داخل الفقه الإسلامي العالمي، ويتعرض لانتقادات من علماء ومؤسسات دينية باتخاذه معايير قاسية تخرق مبادئ الشفقة والعدالة المعروفة في الفقه العام.
ويضع القانون الدولي معايير واضحة منها الميثاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية والذي يحظر المعاملة القاسية أو الحط من الكرامة، والاتفاقية ضد التعذيب التي تفرض على الدول منع التعذيب والتحقيق فيه ومعاقبة مرتكبيه، حتى في حالات الدول غير القادرة أو غير الملتزمة سياسياً، يبقى السقف القانوني الدولي واضحاً في اعتبار الجلد العلني، خاصة حين يصاحبه تعذيب أو سوء معاملة، خرقاً ملتبساً، وقد دعت المنظمات الأممية مراراً إلى انسجام القوانين الوطنية مع هذه المعايير وحماية الضحايا وفق المفوضية السامية لحقوق الإنسان.
وطلبت نيابة المحكمة الجنائية الدولية أحكاماً وُجهت ضد قيادات طالبان بشأن الاضطهاد المنهجي للنساء، وهو ما قد يفتح مسارات قضائية في حال توافرت أدلة ملموسة وتعاون دولي وتركز الدعوات الحقوقية الآن على توثيق الأدلة وحماية الشهود ورفع الصوت من أجل محطات عدلية مستقبلية قابلة للتنفيذ.
بمَ تطالب المنظمات وما المطلوب عملياً؟
تنادي منظمات مثل العفو الدولية ومنظمات أممية بخطوات محددة منها وقف الجلد العلني فوراً، ضمان محاكمات عادلة، تمكين الوصول الطبي والنفسي للضحايا، وحماية المدافعين عن الحقوق والشهود، كما تدعو إلى مراجعات قانونية تشطب أو تعيد تفسير نصوص تُستخدم ذريعة للعقاب الجماعي، وتوسع في برامج الحماية الاجتماعية التي تحد من تعرُّض النساء للانتهاكات عبر سبل معيشية بديلة.
أزمة إنسانية
وتشهد أفغانستان أزمة إنسانية عنيفة منذ استيلاء حركة طالبان على الحكم في أغسطس 2021 في أعقاب حرب مدمّرة استمرّت 20 عاما، وتوقّف المساعدات الدولية التي تشكّل 75% من الميزانية الأفغانية.
عادت حركة طالبان للحكم مجدداً بعد مرور 20 عاماً من الإطاحة بها، بواسطة الولايات المتحدة الأمريكية وقوات التحالف عام 2001، بعد اتهامها بالضلوع في تنفيذ تفجيرات برجي التجارة العالميين الذي نفذه متشددون، تزامناً مع مخاوف دولية بتردي الوضع الإنساني والحقوقي والصحي.
ولا يعترف المجتمع الدولي بشرعية نظام الحركة، ويشترط اتخّاذ الحركات خطوات ملموسة على صعيد احترام حقوق الإنسان لاستئناف المساعدات الدولية، وتتهدّد المجاعة ما يزيد على 55% من سكان أفغانستان، بحسب الأمم المتحدة.
ووفقاً للأمم المتحدة، يعتمد 28 مليون شخص على المساعدات الإنسانية من أصل عدد سكان يقدر بنحو 37 مليون نسمة.