بعد الحكم بسجنه.. تصعيد حقوقي للمطالبة بالإفراج عن النقابي الجزائري علي معمري
بعد الحكم بسجنه.. تصعيد حقوقي للمطالبة بالإفراج عن النقابي الجزائري علي معمري
تجد السلطات الجزائرية نفسها أمام موجة غير مسبوقة من الضغوط الدولية، بعد أن انضمت تسع عشرة منظمة حقوقية ونقابية بارزة إلى حملة تطالب بالإفراج الفوري عن المدافع عن حقوق الإنسان والنقابي علي معمري، الذي أُدين في 29 من أكتوبر 2025 بالسجن 15 عاما، في قضية تصفها المنظمات بأنها مسيّسة ومبنية على اتهامات فضفاضة مرتبطة بمكافحة الإرهاب.
ووفق بيان أصدرته منظمة "منا" لحقوق الإنسان، اليوم الاثنين، تأتي هذه الحملة في وقت تستعد فيه محكمة الاستئناف للنظر في القضية خلال الأسابيع المقبلة، وسط تحذيرات من أن استمرار احتجازه يعكس نهجا متصاعدا لتضييق الفضاء المدني والنقابي في الجزائر.
ممارسة منهجية للترهيب
تشدد المنظمات الموقعة على أن القضية ضد معمري ليست سوى ثمرة مباشرة لنشاطه النقابي والحقوقي المستمر منذ سنوات، ولا سيما المراسلات التي رفعتها نقابته إلى منظمة العمل الدولية بشأن انتهاكات بحق العمال والنقابيين في الجزائر، وتشير البيانات الحقوقية إلى أن توقيفه جرى دون مذكرة اعتقال من مكان عمله في مدينة أم البواقي، ثم احتُجز بمعزل عن العالم الخارجي لأربعة أيام كاملة، ما جعله عرضة للاختفاء القسري وفق المعايير الدولية.
خلال فترة التوقيف تحت النظر، تعرض علي معمري –وفق شهاداته لمحاميه وعائلته– للضرب والتعرية القسرية وتهديدات مباشرة لإجباره على الاعتراف بالتهم الموجهة إليه، كما رفضت النيابة في البداية تسجيل شكوى بالتعذيب تقدمت بها والدته، واضطرت العائلة إلى إرسالها بالبريد دون أن تتلقى أي إشعار لاحق بفتح تحقيق.
وتضمنت لائحة الاتهام تهم تمجيد الإرهاب ونشر معلومات مصنفة، إضافة إلى اتهامات تتعلق بتبادل مراسلات مع نقابيين وناشطين خارج الجزائر وتؤكد الوثائق الحقوقية أن هذه المراسلات كانت ذات طابع مهني أو نقابي أو اجتماعي، لكنها اعتُبرت دليلا على وجود ارتباط بجهات مصنفة إرهابية وفقا لتفسير حكومي واسع لعبارة الإرهاب التي توسعت بشكل كبير بموجب المادة 87 مكرر من قانون العقوبات.
كما استند الحكم إلى منشورات عادية على فيسبوك وتواصل مع صفحات معارضة، رغم أن هذه الأنشطة تندرج ضمن حرية التعبير المضمونة دستوريا ودوليا، واعتبرت المحكمة أن مشاركة معمري وثيقة إدارية تتعلق بنقله من منصبه تشكل كشفا لمعلومات حساسة، رغم أن الوثيقة نفسها كانت ضمن مراسلات رسمية رُفعت إلى لجان دولية مختصة بشؤون النقابات وحقوق العمال.
استهداف للعمل النقابي المنظم
برز اسم علي معمري خلال السنوات الأخيرة بصفته مؤسسا ورئيسا للنقابة الوطنية المستقلة لموظفي قطاع الثقافة والفنون، وهي نقابة انضمت إلى الكونفدرالية النقابية للقوى المنتجة، وشهد نشاطه تصاعدا ملحوظا بعد إطلاق حملة لتنظيم القطاع الثقافي عام 2024، وهو ما قابله تضييق إداري وملاحقات متكررة وتحويله إلى منصب بلا مهام فعلية، وقد اعتبرت المنظمات الحقوقية أن هذا السياق يمثل نمطا ممنهجا لاستهداف الأصوات النقابية المستقلة في الجزائر.
كما أن السلطات أدخلت خلال محاكمته محاولته تأسيس منظمة وطنية لحقوق الإنسان ضمن لائحة الاتهام، معتبرة إياها مبادرة تخريبية يمكن إدراجها ضمن الأعمال الإرهابية، في خطوة وصفها حقوقيون بأنها تعكس نزعة متزايدة لربط النشاط الحقوقي السلمي بتهديد أمن الدولة.
وتثير المنظمات تساؤلات خطيرة حول سلامة الإجراءات القضائية، بدءا من الاعتماد على اعترافات منتزعة تحت الإكراه، مرورا بعدم إبلاغ محاميه بمواعيد الجلسات، وصولا إلى تطبيق نصوص قانونية فضفاضة تتيح للسلطات تصنيف أي نشاط معارض أو نقابي ضمن خانة الإرهاب، وتأتي هذه المخاوف متسقة مع انتقادات سابقة من اللجنة المعنية بحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة التي وصفت التعريف الجزائري للإرهاب بأنه غير متوافق مع المعايير الدولية ويشكل خطرا مباشرا على ممارسة الحقوق الأساسية.
أبعاد ومحاذير أممية
تعتبر قضية معمري حلقة جديدة في سلسلة قضايا أثارتها منظمات العمل الدولية بشأن التضييق على النقابيين في الجزائر، فقد سبق للجنة الحرية النقابية أن تلقت شكاوى عديدة تفيد بتعرض نقابيين مستقلين لحملات استهداف قضائي وإداري، وهو ما دفع عددا من المنظمات الدولية إلى ربط قضية معمري بشكل مباشر باعتقاله قبل أسابيع قليلة من نشر تقرير جديد للجنة حول انتهاكات مماثلة داخل البلاد.
كما أن توقيفه دون إذن قضائي، ومن ثم إخفاء مكان وجوده لعدة أيام، يدخل ضمن إطار الاختفاء القسري المحظور دوليا بموجب الاتفاقيات التي تعد الجزائر طرفا فيها، وتحذر المنظمات الموقعة من أن تجاهل السلطات لهذه الالتزامات القانونية يضعها في مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي، خاصة في ظل توسع استخدام قوانين الإرهاب لتجريم العمل النقابي والحقوقي السلمي.
وتحث المنظمات التسع عشرة سلطات الجزائر على الإفراج الفوري وغير المشروط عن علي معمري، وإلغاء الحكم الصادر بحقه، وفتح تحقيق مستقل في مزاعم التعذيب والاختفاء القسري، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، كما تطالب بمراجعة النصوص القانونية المثيرة للجدل، وفي مقدمتها المواد المتعلقة بالإرهاب والأمر 2109 المتعلق بحماية المعلومات الإدارية، لضمان عدم استخدامها كسلاح لإسكات الناشطين.
وترى هذه المنظمات أن استمرار سجن معمري يبعث برسالة سلبية حول مستقبل الحريات في الجزائر، في وقت تتزايد فيه الدعوات الدولية لتوسيع نطاق حرية التنظيم النقابي وضمان بيئة آمنة للمدافعين عن حقوق الإنسان.
عائلة بين الخوف والصمود
تعيش عائلة معمري حالة من القلق المستمر منذ توقيفه، إذ أكدت والدته في عدة مناسبات تعرضه للتعذيب خلال فترة الاحتجاز الأولى، كما حاولت مرارا تسجيل شكوى رسمية دون أن تتلقى أي رد.
ويشير مقربون منه إلى أن حالته الصحية تدهورت خلال الأشهر الماضية، فيما لا يزال محاموه يواجهون عراقيل إجرائية في الاطلاع الكامل على ملف قضيته.
بالنسبة لعائلته، يمثل علي معمري صوتا نقابيا مؤمنا بالعمل السلمي أكثر من كونه متهما جنائيا، ويرون أن إدانته بتهم إرهابية تشكل ظلما فادحا وتحريفا خطيرا للعدالة يجب التراجع عنه.
تخضع الجزائر منذ سنوات لانتقادات دولية بشأن قوانين مكافحة الإرهاب والتشريعات المتعلقة بأمن الدولة، التي تصفها منظمات حقوقية بأنها تمنح السلطات هامشا واسعا لتجريم المعارضة السياسية والنشاط المدني، وقد شهدت السنوات الأخيرة محاكمات مشابهة شملت نقابيين، مدونين، صحفيين، ونشطاء في الحراك الشعبي.
وهو ما دفع عددا من الهيئات الأممية إلى التحذير من انحسار فضاء الحريات العامة، كما صادقت الجزائر على اتفاقيات دولية عدة تلزمها باحترام حرية التعبير والتنظيم والحقوق النقابية، من بينها اتفاقيتا منظمة العمل الدولية رقم سبعة وثمانين ورقم ثمانية وتسعين، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، غير أن مراقبين يرون أن التطبيق العملي لهذه الالتزامات يشهد تراجعا واضحا منذ عام 2021.











