قمة البيت الأبيض.. أوكرانيا بين ضغوط التسوية وصمود الميدان وخلافات حول القرم

قمة البيت الأبيض.. أوكرانيا بين ضغوط التسوية وصمود الميدان وخلافات حول القرم
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي

يحمل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي معه إلى واشنطن آمالًا ثقيلة وتحديات متشابكة، فلقاؤه المرتقب اليوم الاثنين مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض يأتي وسط تصعيد روسي جديد على الأراضي الأوكرانية، وفي وقت يتزايد فيه الضغط الدولي لإيجاد مخرج سياسي لأعنف حرب تشهدها القارة الأوروبية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

في زيارة غير مسبوقة منذ اندلاع الغزو الروسي في فبراير 2022، يصل زيلينسكي محاطًا بعدد من القادة الأوروبيين، بينهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، المستشار الألماني فريدريش ميرتس، رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، وإلى جانبهم الأمين العام الجديد لحلف شمال الأطلسي مارك روته بحسب وكالة "فرانس برس"، في إشارة إلى وحدة غربية تحاول التأكيد على استمرار الدعم لكييف، لكن أيضًا للبحث في صيغة "سلام واقعي" يتوافق مع مصالح الأطراف الكبرى.

استبقت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المشهد، إذ أعلن عبر منصته الرقمية أن استعادة أوكرانيا لشبه جزيرة القرم أو انضمامها إلى حلف الأطلسي "أمر غير وارد"، وأضاف أن بوسع زيلينسكي إنهاء الحرب "على الفور تقريبًا" إذا اختار تقديم تنازلات لموسكو، وهي رسالة اعتبرها مراقبون بمثابة تشجيع لمطالب الكرملين بتثبيت مكاسب ميدانية.

الخطوط الحمراء بين كييف وموسكو

تظل القضايا الجوهرية، من القرم إلى دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزابوريجيا، حجر العثرة أمام أي مفاوضات، فبينما تطالب روسيا باعتراف أوكراني رسمي بضم هذه المناطق، يصر زيلينسكي على أن الدستور الأوكراني يمنع التخلي عن أي شبر من أراضي البلاد.

وأكد مرارًا أن "السلام الدائم لا يمكن أن يقوم على التنازل والابتزاز"، مشيرًا إلى التجارب السابقة التي لم تمنع موسكو من توسيع تدخلها العسكري.

النقاش حول الضمانات الأمنية لأوكرانيا يطفو إلى السطح باعتباره بندًا محوريًا، فترامب لمح إلى إمكانية تقديم ضمانات مستوحاة من المادة الخامسة من معاهدة حلف شمال الأطلسي، لكن من دون منح عضوية كاملة لكييف، وهو ما تعتبره موسكو خطًا أحمر أقل حدة من عضوية الناتو، أما القادة الأوروبيون، وفي مقدمتهم ماكرون، فقد شددوا على ضرورة معرفة حدود الالتزام الأمريكي، ومدى استعداد واشنطن لتحويل الوعود إلى التزامات عملية طويلة الأمد.

ضغوط ومخاوف إنسانية

بينما تواصل واشنطن والعواصم الأوروبية حشد الجهود السياسية، لم تغب الضغوط الأممية والحقوقية عن المشهد، فقد دعت الأمم المتحدة جميع الأطراف إلى التوصل لاتفاق "عادل ودائم" يراعي ميثاق المنظمة وحق الشعوب في تقرير مصيرها، كما حذرت منظمات حقوقية دولية مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية أن أي تسوية لا تراعي القانون الدولي وحقوق المدنيين قد تكرس لسابقة خطيرة في العلاقات الدولية.

الصين من جانبها طرحت مجددًا دعوتها للتوصل إلى اتفاق "مقبول لدى جميع الأطراف"، محاولة أن تقدم نفسها وسيطاً محتملاً، غير أن غياب الثقة بين بكين والغرب، وتباين المصالح الاستراتيجية، يحد من فرص نجاح هذا الدور.

وعلى الأرض، لا تتوقف آلة الحرب، فمع وصول زيلينسكي إلى واشنطن، كانت خاركيف تعيش على وقع قصف جديد أدى إلى سقوط خمسة قتلى وأكثر من ثمانية عشر جريحًا، فيما طالت هجمات ليلية منطقة سومي على الحدود الروسية. هذه التطورات الميدانية تؤكد هشاشة أي حديث عن "هدنة" في ظل استمرار العمليات العسكرية.

خلفية تاريخية للنزاع

تعود جذور النزاع إلى ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، في خطوة رفضها المجتمع الدولي واعتبرها انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، ومنذ ذلك الحين، ظلت العلاقات بين موسكو وكييف متوترة، مع اندلاع حرب في شرق أوكرانيا بين القوات الحكومية والانفصاليين المدعومين من روسيا.

ورغم محاولات التهدئة عبر اتفاقيات مثل "مينسك" لم تفلح الجهود في إنهاء النزاع، بل مهدت الطريق لتصعيد أكبر في فبراير 2022 عندما شنت روسيا غزوًا واسع النطاق على أوكرانيا.

ردود الأفعال الدولية

المواقف الدولية ما زالت متباينة، فالولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون يواصلون التأكيد على ضرورة احترام سيادة أوكرانيا، مع استمرار فرض عقوبات اقتصادية قاسية على روسيا، وفي المقابل، تسعى موسكو لتوظيف أوراقها الاقتصادية والعسكرية للضغط على الغرب والبحث عن اعتراف ضمني بمكاسبها الميدانية.

في الوقت نفسه، يشدد خبراء القانون الدولي على أن أي اتفاق يكرس لضم الأراضي بالقوة سيكون مخالفًا للمادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة، التي تحظر الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة. وهو ما يجعل أي تسوية قائمة على التنازلات الإقليمية عرضة للتشكيك في مشروعيتها القانونية والأخلاقية.

بين ضغوط التسوية وتشبث الأطراف بمواقفها، يبدو أن الطريق نحو سلام مستدام لا يزال طويلًا ومعقدًا، فبينما تراهن بعض القوى الدولية على قدرة البيت الأبيض على دفع الحوار نحو مخرجات ملموسة، يظل الميدان عاملًا حاسمًا في رسم ملامح المستقبل، وإذا استمرت روسيا في التصعيد، وبقيت كييف على موقفها الرافض للتنازلات، فإن احتمالات الوصول إلى اتفاق قريب تتضاءل، ما ينذر باستمرار الحرب ومعاناتها الإنسانية الكارثية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية