رغيف الخبز يلامس 200 جنيه.. أزمة معيشية فوق جراح الحرب بالسودان

رغيف الخبز يلامس 200 جنيه.. أزمة معيشية فوق جراح الحرب بالسودان
سودانية تتفقد ما حصلت عليه من خبز

وصل سعر رغيف الخبز في العاصمة السودانية الخرطوم إلى 200 جنيه سوداني، بعد أن رفع عدد من المخابز سعر القطعة من 150 إلى 200، ما جعل المواطن يحصل على خمس قطع فقط مقابل ألف جنيه، وهو ما أثار موجة استياء وانتشار دعوات لمقاطعة الشراء واحتجاجات متفرّقة في أحياء العاصمة، في ظل أزمة اقتصادية تواجهها البلاد منذ اندلاع الحرب قبل عامين وتدهور لقيمة الجنيه السوداني.

يأتي ارتفاع سعر الخبز كسلعة أساسية في سلة الغذاء السودانية، في وقت تعاني فيه البلاد من موجة تضخم وانهيار عملة متسارع، فقد بلغ سعر الدولار في السوق الموازية مستويات قياسية مقابل الجنيه، ما يزيد كلفة استيراد القمح والوقود والمواد الأولية للمخابز.

وعلى مستوى أوسع، تواجه السودان أزمة غذائية حادة، فوفق برنامج الأغذية العالمي، يواجه نحو 24.6 مليون شخص انعدام الأمن الغذائي الحاد، ويعاني الملايين من التهديد المباشر للجوع، في حين يرجع تفاقم الأمر إلى اندلاع القتال وتعطّل سلاسل التوريد. 

أسباب متعددة ومتشابكة

ملاك المخابز وبرؤوس الأموال الصغيرة يصفون قرارات الرفع بأنها قسرية، نتيجة تضاعف تكلفة الدقيق والزيوت والوقود والغاز اللازم للتشغيل والنقل، إلى جانب تراجع الدعم الحكومي وغياب آلية ثابتة لتعويض الفجوات.

وفي المقابل، يرى مراقبون أن الاعتماد الكبير على واردات القمح، الذي يغطي نحو ثمانية أعشار الاستهلاك الوطني، يجعل السودان هشاً أمام صدمات دولية في أسعار الحبوب وقيود التمويل واللوجستيات، فضلاً عن تأثير الحروب المحلية على المحاصيل والإنتاج المحلي، وهذا التداخل بين ارتفاع تكاليف المدخلات والاعتماد على الاستيراد وعرقلة النشاط الاقتصادي بفعل الحرب أنتج معادلة تضطر فيها أسعار السلع الأساسية إلى صعود حاد. 

تفاعلت الشوارع سريعاً، فقد أظهرت مقاطع فيديو ومنشورات على منصات التواصل طوابير احتجاجية ومشاهد مقاطعة واحتجاج محلي في الخرطوم ومدن أخرى، وتحتفظ الذاكرة السودانية بتاريخ من تحرّكات شعبية ذات صلة بملف الخبز، فقد كانت احتجاجات 2018 على رفع أسعار الخبز من العوامل المؤدية إلى زلزال سياسي واسع، واليوم، مع استنزاف دخل الأسر وارتفاع نسبة الفقر، قد تكون زيادة بسيطة في سعر الرغيف شرارة لشرخ اجتماعي أوسع إن لم تُدر الأزمة بسرعة وكفاءة. 

ردود المنظمات الإنسانية والحقوقية

أصدرت منظمات أممية وحقوقية بيانات تحذيرية متكررة حول تدهور الأمن الغذائي في السودان، فقد وثقت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمات أخرى نزوح ملايين داخل البلاد وخارجها، في حين حذّر مكتب حقوق الإنسان والأمم المتحدة من أن ارتفاع أسعار المواد الأساسية يقوّض سبل بقاء النازحين والمجتمعات المستضيفة، كما ربطت منظمات حقوقية دولية مثل هيومن رايتس ووتش وأمنستي بين العنف واسع النطاق وحرمان المدنيين من الخدمات الأساسية، مطالبة بحماية المدنيين وإجراءات عاجلة لفتح ممرات إمداد آمنة وتجاوز التعقيدات الإدارية التي تعوق وصول المساعدات. 

الحق في الغذاء مكفول بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتفسير لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (ملاحظتها العامة رقم 12) يضع على عاتق الدولة التزامات واضحة لضمان توافر الغذاء وإمكانية الحصول عليه والقدرة على تحمله، ففي حالات النزاع، تُلزم قواعد القانون الدولي الإنساني الأطراف بضمان وصول المساعدات وعدم استخدام تجويع المدنيين وسيلة ضغط أو حرب.

بينما ليست كل زيادات الأسعار مؤشرًا على جريمة، فإن ترك ملايين تحت خط الفقر دون سياسات حماية اجتماعية أو إجراءات استثنائية لاحتواء آثار النزاع قد يُعد إخفاقاً في الالتزام الدولي بحقوق الإنسان، بحسب المفوضية السامية لحقوق الإنسان.

مخاطر الأمن الغذائي

ارتفاع سعر الخبز ينعكس في خفض الوجبات، وتآكل المدخرات، تراجع إنفاق الأسر على الصحة والتعليم، وازدياد اعتماد الأسر على المعونات إن توافرت، وبالنسبة لمربي الماشية وصغار المزارعين، فإن تباطؤ الطلب والانهيار الاقتصادي يؤديان إلى فقدان فرص العمل وتنقلات داخلية قد تؤجج توترات قبلية ومناطقية، كما أن تضاؤل القدرة الشرائية يعزز أسواقاً موازية واحتكاراً في سلاسل توزيع الغذاء، ما يزيد من هشاشة السوق الوطني ويقوّض أي قدرة على التعافي السريع، وفق برنامج الأغذية العالمي.

تدعو المنظمات الأممية والمحلية إلى حزمة إجراءات منها إعادة الحكومة السودانية النظر في سياسة الدعم المستهدفة، ضمان وصول استيرادات القمح بأسعار معقولة عبر اتفاقات طارئة لتمويل وشراء الحبوب، ودعم مداخيل الأسر الأكثر هشاشة بنظام تحويلات نقدية طارئة، وحماية سلاسل التوريد من الاستغلال والاحتكار عبر رقابة شفافة على الأسعار وتوزيع الدقيق.

كما تطالب الدعوات بوقف أعمال العنف وفتح ممرات آمنة لإيصال المساعدات وتيسير حركة التجارة، ما قد يخفف الضغوط المؤقتة قبل إرساء سياسات مالية واقتصادية أكثر استدامة.

الحرب في السودان

اندلعت الحرب في السودان في الخامس عشر من أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، بعد أسابيع من توترات سياسية وعسكرية متصاعدة حول مستقبل السلطة الانتقالية، وقد تحولت المواجهات سريعاً إلى نزاع واسع النطاق شمل العاصمة الخرطوم وأقاليم دارفور وكردفان ومناطق أخرى، مخلفاً آلاف القتلى وملايين النازحين داخلياً وخارجياً.

وتسببت الحرب في انهيار شبه كامل للبنية التحتية الأساسية، بما في ذلك شبكات الكهرباء والمياه والاتصالات، فضلاً عن توقف سلاسل الإمداد وتدمير الأسواق المحلية، كما أدى إغلاق الموانئ والمطارات وتعطل الإنتاج الزراعي إلى أزمة غذائية خانقة، دفعت الأمم المتحدة إلى التحذير من أن السودان يواجه واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم.

وتشير تقديرات أممية حديثة إلى أن أكثر من 25 مليون سوداني، أي ما يفوق نصف السكان، يحتاجون إلى مساعدات إنسانية عاجلة، فيما يواجه نحو 8 ملايين خطر المجاعة خلال العام الجاري، وفي ظل غياب حل سياسي شامل، يستمر النزاع في تقويض أي محاولات للتعافي الاقتصادي أو استعادة الاستقرار، ما يجعل ارتفاع أسعار الخبز اليوم انعكاساً مباشراً لحرب طويلة تستنزف موارد البلاد وتدفع مواطنيها إلى حافة الجوع.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية