القصف والتهجير والتجويع.. كيف تُفرض الهيمنة العسكرية الإسرائيلية على غزة؟

القصف والتهجير والتجويع.. كيف تُفرض الهيمنة العسكرية الإسرائيلية على غزة؟
قوات إسرائيلية في غزة

وصف المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان الهجوم الإسرائيلي الأخير على مدينة غزة بأنه مرحلة جديدة من حملة عسكرية تهدف إلى تدمير أحياء وإحكام سيطرة عسكرية كاملة على المحافظة، مع توثيق استخدام آليات متفجرة وروبوتات طردية وطائرات مسيرة محمّلة بذخائر تؤدي إلى دمار واسع في مربعات سكنية مكتظة بضحايا النزوح الداخلي. 

هذا التوصيف التصاعدي جاء في سياق إعلان إسرائيل عن عملية برمجت لها اسمًا وتوقيتًا، وتصاعدت تحذيرات أممية ومنظمات إنسانية من نتائج انسداد ممرات الإغاثة وتصاعد المجاعة ونقص الدواء والرعاية الصحية. 

ويمكن قراءة تصعيد الضربات في ضوء هدف معلن لإضعاف البنى القيادية للمقاومة وتأمين مناطق عمرانية تعدها السلطات الإسرائيلية معاقل لمقاتلين أو مراكز لعمليات إطلاق الصواريخ، وقد أعطى الإعلان عن توسيع عملية عسكرية، أُطلق عليها أسماء عملياتية وتعبئة احتياطية واسعة، زخماً لتكثيف الهجوم الأرضي والجوي، في حين بدا أنه محاولة لفرض نفوذ عسكري دائم أو إعادة هندسة المشهد الأمني في غزة، وفي الوقت نفسه، دفع تعاظم استخدام أنظمة طيران مسيّرة وذكاء اصطناعي في الاستهداف وتوظيف روبوتات متفجرة إلى مستوى متقدم من الدمار، مع تأثير مباشر في الأحياء المدنية.

أساليب القصف وآثارها

تُشير توثيقات ميدانية ومصادر حقوقية إلى نمط متكرر من التفجيرات الآلية داخل الأحياء، وتفخيخ آليات ومسيرات جوّية صغيرة تُسقط حمولات متفجرة فوق مبانٍ مأهولة، إلى جانب غارات جوّية وهجمات صاروخية أدّت إلى انهيار بنايات سكنية متعددة الطوابق وتشريد آلاف العائلات التي كانت قد نزحت سابقاً، وتحدث هذه الأساليب دماراً بنيوياً للبنى التحتية الحيوية، وتضاعف صعوبة عمل فرق الإغاثة والإسعاف، وتزيد من خطر وقوع وفيات مباشرة بين المدنيين. 

المنظمات الأممية والوكالات الإنسانية تؤكد تدهوراً حاداً في مؤشرات الأمن الغذائي والتغذية والصحة، وقد أعلنت جهات أممية متخصصة أن مؤشرات سوء التغذية بين الأطفال تجاوزت عتبات تصنيف المجاعة في أجزاء من القطاع، مع تحذيرات من أن مئات الآلاف من الأطفال معرضون لخطر سوء تغذية حاد قد يؤدي إلى وفيات واسعة إذا لم تُتح مساعدات عاجلة ومنظمة، كما توثّق الأمم المتحدة هجمات متكررة على مرافق صحية وأسواق ومواقع توزيع مساعدات مع تراجع قدرة المستشفيات العاملة على تقديم خدمات إنقاذ الحياة بسبب انقطاع الكهرباء ونقص الوقود والأدوية. 

ردود فعل حقوقية ودولية

أصدرت منظمات حقوقية دولية بيانات شديدة اللهجة تدين سياسات الحصار وتشدد أن استهداف سبل العيش وحرمان السكان من الغذاء قد يرقى إلى استخدام التجويع سلاحاً، وتطالب بتحقيقات مستقلة ومحاسبة المسؤولين، ودعا المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان المجتمع الدولي إلى تحرك عاجل لوقف ما وصفه بـ"الإبادة الجماعية المُتواصلة" وطلب تنفيذ قرارات وأوامر قضائية دولية، في حين أعادت جهات أممية التأكيد على ضرورة وقف الأعمال التي تزيد من خطر المجاعة وفتح ممرات إغاثة دون قيود، وفي المقابل، تتواصل مواقف داعمة داخلية لإجراءات قوات الجيش الإسرائيلي على أساس مبررات أمنية متصوّرة، ما عمق الانقسام الدولي حول إمكانية اتخاذ قرارات فورية لوقف التصعيد. 

ويفرض القانون الدولي الإنساني قواعد واضحة تتعلق بالتمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية، وضرورة اتخاذ احتياطات لتجنّب أضرار مفرطة على المدنيين، وحظر استخدام التجويع سلاحاً. جهات قضائية دولية أصدر بعضها قرارات وإجراءات ذات صلة، المحاكم الدولية وأجهزة قضائية تحقيقية أصدرت مواقف ووثائق تشير إلى مسؤولية جنائية محتملة لمسؤولين عن سياسات قد تنطوي على جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، في حين تبقى مسارات التحقيق والمساءلة خاضعة لنزاعات سياسية ودبلوماسية، وتُضاف إلى ذلك تحذيرات الصليب الأحمر الدولي ومبادئه حول التناسب والتمييز الذي تكررت في بياناته كأنها إطار توجيهي للحكم على السلوك القتالي. 

على المدى القصير، يزيد التكثيف العسكري من موجات النزوح الداخلي ويمنع توصيل المساعدات، ما يفاقم حالات المجاعة والمرض والوفيات بين الفئات الأكثر هشاشة، وعلى المدى المتوسط قد يؤدي تدمير مساحات واسعة من البنية الحضرية إلى تحولات ديموغرافية قسرية وإضعاف القدرة على العودة وإعادة الإعمار، مع آثار اقتصادية واجتماعية تمتد لأجيال، كما أن استمرار هذا المسار يفاقم التوترات الإقليمية ويعرض خطوط الملاحة والإمداد والحدود البحرية والجوية لمخاطر أمنية واقتصادية واسعة، ما يضاعف الكلفة الدولية والمطلب الإنساني وفق "واشنطن بوست".

التقارير الميدانية والأممية والحقوقية تصف وضع غزة اليوم بأنه على شفا كارثة إنسانية تفرض استجابة سريعة وملموسة من خلال فتح ممرات إنسانية آمنة بلا شروط، والسماح بدخول الإمدادات بأسلوب منظم وفعّال، وحماية المرافق الصحية والمدنية، وإجراء تحقيقات مستقلة وشفافة في المزاعم المتعلقة باستهداف المدنيين واستخدام التجويع أداة للحرب، كما تحيل هذه الوقائع المجتمع الدولي إلى مسؤولياته القانونية والأخلاقية المكرّسة في قواعد القانون الدولي ومقتضيات المعاهدات والقرارات القضائية ذات الصلة. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية