حين يتوقف الطعام.. الجوع يطرق أبواب 42 مليون أمريكي من جديد

حين يتوقف الطعام.. الجوع يطرق أبواب 42 مليون أمريكي من جديد
أمريكية مع طفلتها في أحد مراكز التسوق الغذائية التي تقبل برنامج المساعدة الغذائية التكميلية (SNAP)

قبل عشرين عامًا، كانت سارة كارلسون، أمًّا لثلاثة أطفال في روتشستر بولاية مينيسوتا، تحاول إعادة ترتيب حياتها بعد طلاق صادم جعلها تواجه وحيدة مسؤولية إطعام أطفالها، كانت تعمل بدوام جزئي، وتكدّ لتغطية الإيجار والفواتير، لكنها وجدت في برنامج كوبونات الطعام –الذي يُعرف اليوم باسم برنامج المساعدة الغذائية التكميلية (SNAP)– طوق نجاة انتشلها من هاوية الجوع، وتقول سارة: لم أكن لأتمكّن من إطعام أطفالي لولا تلك المساعدات، كانت تمنحنا الأمان في أكثر أيامنا ظلمة".

بحسب ما أوردته "صحيفة "الغارديان" البريطانية، اليوم السبت، فإن سارة اليوم، بعد مرور عقدين، تشغل منصب مديرة للعمليات في شركة لإدارة الثروات وتخدم في مجلس إدارة بنك الطعام المحلي "شانيل وان"، لكنها لا تنسى كيف غيّر البرنامج حياتها، إلا أن ما يخيفها الآن هو أن ملايين الأسر قد تفقد ما كان يومًا شريان حياة لها، إذا ما استمرّ الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة وتوقّف التمويل الفيدرالي لبرنامج SNAP مطلع نوفمبر المقبل.

تداعيات على الملايين

تشير تقديرات المؤسسات المتخصصة إلى أن نحو 42 مليون شخص في أنحاء البلاد قد يواجهون مصيرًا شبيهًا بما عاشته سارة قبل عشرين عامًا، هؤلاء ليسوا متسوّلين أو عاطلين عن العمل، بل في الغالب عمال بأجور منخفضة، وأمهات عازبات، ومسنّون يعيشون على دخل ثابت، وأشخاص ذوو إعاقة يحتاجون إلى دعم مستمر لتأمين الغذاء الضروري، لكنّ التناحر السياسي في واشنطن بات يهدد قوتهم اليومي.

الجدل المشتعل بين الجمهوريين والديمقراطيين حول الإغلاق الحكومي لم يبقَ حبيس أروقة الكونغرس، بل امتدّ إلى موائد الناس، الجمهوريون يتّهمون خصومهم الديمقراطيين بالتسبب في الأزمة، بينما تشير تقارير مكتب الميزانية بالكونغرس إلى أن قانون "One Big Beautiful Bill Act" الذي أقرته إدارة ترامب كان قد ألغى بالفعل ما يقرب من 187 مليار دولار من تمويل برنامج SNAP ورغم ذلك، تتبادل الأطراف اللوم فيما تقترب ملايين الأسر من فقدان المساعدات التي يعتمدون عليها في شراء الخبز والحليب والفواكه لأولادهم.

تهديد الحق في الطعام

جويل بيرغ، الرئيس التنفيذي لمؤسسة "هانغر فري أميركا"، حذر من أن نفاد التمويل سيقود إلى أكبر كارثة جوع في تاريخ أمريكا الحديث منذ الكساد العظيم، ويقول بيرغ إن ما يحدث ليس مجرد خلاف حزبي، بل تهديد مباشر لحق الإنسان في الطعام.

وزارة الزراعة الأمريكية بدورها أرسلت تحذيرًا رسميًا إلى مديري فروع SNAP في الولايات، طالبةً منهم الاستعداد لتجميد المدفوعات حتى إشعار آخر، وهو ما يعني فعليًا أن المساعدات الغذائية لن تصل إلى المستفيدين إذا لم يُعد فتح الحكومة أو تُصرف أموال الطوارئ، وفي المقابل، وجّه أكثر من 200 عضو ديمقراطي في الكونغرس رسالة إلى الوزارة يطالبونها باستخدام صلاحيات الطوارئ لتأمين المخصصات الغذائية، معتبرين أن التقاعس عن توفير الغذاء لملايين العائلات في نوفمبر يُعد تقصيرًا فادحًا في مسؤوليات الحكومة تجاه شعبها.

لكن السجال السياسي سرعان ما خرج عن سياقه، إذ حمّل متحدث باسم وزارة الزراعة الديمقراطيين مسؤولية التأخير بحجة أنهم يعرقلون فتح الحكومة لمطالب سياسية تتعلق بتوسيع الرعاية الصحية للمهاجرين غير النظاميين، رغم أن هؤلاء غير مؤهلين أصلًا للحصول على إعانات الرعاية الصحية وفق القوانين الفيدرالية، وهكذا تحوّل الغذاء إلى سلاح في معركة سياسية بين جناحين يتنازعان السلطة، فيما يقف الفقراء في المنتصف، ينتظرون بقلق رسالة إلكترونية تخبرهم إن كانت بطاقاتهم الغذائية لا تزال صالحة أم أُوقفت.

أزمات إنسانية

في ولاية كنتاكي، تعيش بريتاني، وهي أمّ لثلاثة أطفال تعمل ممرضة منزلية، على إيقاع هذا الخوف اليومي، تعمل أكثر من أربعين ساعة أسبوعيًا، ورغم ذلك لا يكفي دخلها لتغطية نفقات المعيشة في ظل تضخم الأسعار وارتفاع الإيجارات، تقول: "ليس صحيحًا أننا نجلس على الأرائك ونتلقى الإعانات، أنا أعمل وأكدّ، لكن برنامج SNAP هو ما يتيح لي شراء الطعام لأطفالي حتى نهاية الشهر، وإذا توقف الدعم، فسأضطر للعمل في عطلات نهاية الأسبوع، ولن يتبقى لي وقت لأطفالي".

مفارقة بريتاني أنها، رغم اعتمادها على البرنامج، ما زالت تؤيد الرئيس ترامب وتحمّل الديمقراطيين مسؤولية الإغلاق قائلة "إنهم لا يوافقون على أي شيء يقدّمه الجمهوريون"، تضيف بلهجة يملؤها الإحباط، وهو ما يعكس حالة الانقسام العميق التي تتجاوز السياسات إلى قناعات الناس أنفسهم.

وبين سارة التي تجاوزت أزمتها قبل عقدين وبريتاني التي تعيشها الآن، تتقاطع قصص ملايين الأمريكيين الذين يختبرون هشاشة الأمن الغذائي في واحدة من أغنى دول العالم، فبرنامج SNAP ليس رفاهية، بل شبكة أمان حقيقية لمن هم على حافة الفقر، إذ يدعم العمال ذوي الدخل المنخفض، وكبار السن، والأشخاص ذوي الإعاقة، ويُقدَّر متوسط المساعدة التي يحصل عليها المستفيد بنحو "187 دولارًا شهريًا"، وهو مبلغ بالكاد يكفي لتغطية الاحتياجات الأساسية.

ورغم أن الإدارة الأمريكية تحاول طمأنة المواطنين بأنها تدرس خيارات تمويل بديلة، فإن القلق يتفاقم في بنوك الطعام والجمعيات المحلية التي بدأت تستعدّ لموجة غير مسبوقة من الطلبات، يقول جويل بيرغ: "إذا توقّف البرنامج، فإن بنوك الطعام لن تتمكن من تعويض الفجوة. نحن نتحدث عن عشرات الملايين من الوجبات المفقودة".

في الأحياء الفقيرة من نيويورك وشيكاغو وديترويت، تبدو هذه التحذيرات واقعية، هناك، يعتمد كثير من العائلات على SNAP كأداة للبقاء أكثر من كونه دعمًا مؤقتًا، وحين يتأخر التمويل، لا يكون البديل سوى الجوع.

برنامج "SNAP" والأمان الاجتماعي

يُعد برنامج "SNAP"، الذي تأسس في شكله الأول عام 1964 تحت اسم "برنامج كوبونات الطعام"، الركيزة الأساسية لشبكة الأمان الاجتماعي في الولايات المتحدة، وهو يهدف إلى مكافحة الجوع عبر تقديم مساعدات مالية شهرية للمستحقين تُصرف إلكترونيًا عبر بطاقات مخصصة لشراء المواد الغذائية، ويخضع البرنامج لإشراف وزارة الزراعة الأمريكية، ويستفيد منه سنويًا ما يزيد على 40 مليون شخص.

يُحدد الأهلية بناءً على دخل الأسرة الذي يجب ألا يتجاوز 130% من خط الفقر الفيدرالي، أي نحو 36 ألف دولار سنويًا لعائلة مكونة من أربعة أفراد، ويُقدّر أن ثلث المستفيدين هم من الأطفال، وربعهم من المسنين أو ذوي الإعاقة، كما يُعد البرنامج محركًا اقتصاديًا غير مباشر، إذ تذهب معظم المبالغ مباشرة إلى متاجر البقالة المحلية، مما يدعم الأسواق المجتمعية الصغيرة.

لكن البرنامج كثيرًا ما كان محور جدل سياسي. المحافظون يرون أنه يشجّع على الاعتماد على الدولة، فيما يعتبره التقدميون أداة حيوية لمكافحة الفقر وعدم المساواة، وفي السنوات الأخيرة، أُجريت تعديلات متكررة على التمويل، خصوصًا في عهد إدارة ترامب التي قلّصت الميزانية تدريجيًا، ما تسبب في تراجع القيمة الشرائية للمساعدات وسط ارتفاع الأسعار.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية