احتجاجات إندونيسيا.. الحقوق المهدورة بين امتيازات البرلمان والقمع الأمني
مقتل سبعة وفقدان عشرين متظاهراً
أظهرت منظمة حقوقية أن ما لا يقل عن عشرين شخصًا في عداد المفقودين عقب احتجاجات عنيفة اجتاحت مدنًا في جميع أنحاء إندونيسيا خلال الأسبوع الماضي.
ووفقاً لصحيفة "الغارديان"، اليوم الثلاثاء، اندلعت الاحتجاجات في 25 أغسطس، مدفوعةً بالغضب من الامتيازات والمزايا الممنوحة للنواب، بما في ذلك بدل السكن المثير للجدل، وتصاعد الغضب العام أكثر عندما دهست سيارة شرطة سائق دراجة أجرة نارية، عفان كورنياوان، البالغ من العمر 21 عامًا، في موقع الاحتجاج.
وذكرت الصحيفة البريطانية، أن ستة أشخاص على الأقل قُتلوا منذ بدء الاحتجاجات، في حين لا يزال 20 شخصًا في عداد المفقودين، وفقًا لبيان صادر عن لجنة المفقودين وضحايا العنف (كونتراس).
وأشارت المنظمة إلى استقبالها 23 بلاغًا عن أشخاص مفقودين، وبعد عملية البحث والتحقق، لا يزال 20 شخصًا مجهولو الهوية مفقودين، وأن حالات الفقدان توزعت في مدينتي باندونغ وديبوك والمدن الإدارية في وسط جاكرتا وشرقها وشمالها، مع حادث واحد في "مكان مجهول".
عسكرة العاصمة
تجمع المئات مجددًا خارج مبنى البرلمان في جاكرتا، حيث اتُخذت إجراءات أمنية مشددة، وأقامت الشرطة نقاط تفتيش في أنحاء العاصمة، وقام الضباط والجيش بدوريات في المدينة ونشروا قناصة في المواقع الرئيسية، وانتقلت المدارس والجامعات إلى نظام الدراسة عبر الإنترنت، وطُلب من موظفي الخدمة المدنية العمل من منازلهم.
وأمر الرئيس برابوو سوبيانتو، الجيش والشرطة باتخاذ إجراءات حازمة ردًا على حرق ونهب منازل بعض السياسيين والمباني الحكومية.
وأضافت أن الأمم المتحدة دعت إلى تحقيق في مزاعم استخدام القوة غير المتناسبة، حيث شددت المتحدثة باسم مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، رافينا شامداساني، على ضرورة التزام قوات الأمن بالمبادئ الأساسية المتعلقة باستخدام القوة.
الاقتصاد الهش
قالت "فايننشال تايمز" إن الغضب الإندونيسي من "نمط حياة النواب المترف" يعكس استياءً اقتصاديًا عميقًا، مشيرةً إلى أن اتساع فجوة التفاوت وانعدام الثقة في الحكومة أشعلا أسوأ اضطرابات سياسية منذ عقود.
أوضحت الصحيفة أن آلاف الإندونيسيين خرجوا احتجاجًا على بدلات السكن السخية للنواب، وتزايد فجوة التفاوت، وفشل الحكومة في تعزيز الآفاق الاقتصادية. وأضافت أن ثمانية أشخاص قُتلوا، وأضرمت حشود النار في مبنى برلمان إقليمي، ونهبت منزل وزير المالية.
وبحسب الصحيفة نفسها، يرى المواطنون أن النمو الاقتصادي لم ينعكس على حياتهم، في حين استفادت منه النخب السياسية، وأشارت إلى أن الاحتجاجات تُشكل أول تحدٍ جدي للرئيس برابوو منذ توليه السلطة، وأنها تهدد بتقويض الاستقرار السياسي وثقة المستثمرين، بل وقد تختبر التزامه بالمبادئ الديمقراطية في بلد طالما اتُهم فيه بانتهاكات حقوق الإنسان.
ونقلت "فايننشال تايمز" عن خبراء اقتصاديين أن الأزمة تكمن في اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وتزايد البطالة، وانكماش الطبقة المتوسطة، في ظل بيانات حكومية مشكوك فيها عن نمو يبلغ 5%.
وأكدت أن الكشف عن مخصصات النواب الشهرية التي تعادل عشرة أضعاف الحد الأدنى للأجور فجّر موجة غضب شعبي ازدادت بعد وفاة كورنياوان تحت عجلات سيارة الشرطة.
موجة احتجاجات وقتلى
من جانبها، ذكرت وكالة "أسوشيتد برس"، أن موجة الاحتجاجات خلّفت سبعة قتلى، بينهم سائق دراجة الأجرة كورنياوان الذي أثارت وفاته صدمة في البلاد بعد تداول مقطع فيديو يظهر لحظة دهسه، وأوضحت الوكالة أن حشودًا غاضبة أشعلت النار في مبانٍ حكومية، وهاجمت مقرات الشرطة، وتوسعت الاشتباكات إلى مدن عدة.
وأوضحت الوكالة أن من بين الضحايا أيضًا ثلاثة أشخاص لقوا مصرعهم في حريق بمبنى برلمان محلي في ماكاسار، ورجل تعرض للضرب حتى الموت بعد الاشتباه في كونه عميل شرطة متخفياً، بالإضافة إلى طالب جامعي توفي خلال اشتباكات في يوجياكارتا، ورجل ستيني قضى متأثرًا بالغاز المسيل للدموع.
أوضحت الوكالة أن مكتب الصحة في جاكرتا أفاد بإصابة 469 شخصًا، بينهم 97 نُقلوا إلى المستشفى، مشيرةً إلى أن السلطات اعتقلت أكثر من 1200 شخص، في حين قدّرت الخسائر المادية بـ55 مليار روبية نتيجة الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية.
تنازلات حكومية
اضطر برابوو إلى إلغاء زيارة رسمية إلى الصين بسبب تصاعد الاحتجاجات، وأعلن عن خفض امتيازات النواب وتعليق رحلاتهم الخارجية، وفتح تحقيق في وفاة كورنياوان، مع التعهد بمساعدة عائلته ماليًا.
لكن "فايننشال تايمز" لفتت إلى أن برابوو وصف سلوك بعض المتظاهرين بأنه "خيانة وإرهاب"، وهو ما اعتبره ناشطون مؤشرًا خطِرًا على توجه نحو القمع، خاصةً في ظل تاريخه العسكري المتهم بانتهاكات حقوقية.