الوصول إلى الإجهاض الآمن.. حق صحي أم معركة سياسية تؤثر على ملايين النساء؟

الوصول إلى الإجهاض الآمن.. حق صحي أم معركة سياسية تؤثر على ملايين النساء؟
نشطاء مبادرة "صوتي، خياري"

 

تصاعدت في السنوات الأخيرة المطالب بتعزيز الوصول إلى خدمات الإجهاض الآمن والميسر بوصفه جزءاً لا يتجزأ من حق الصحة والكرامة، وعلى المستوى الأوروبي، تقدّمت مبادرة مواطنين باسم "صوتي، خياري" بعريضة تحمل أكثر من مليون توقيع تطالب بآلية تمويل أوروبية لتوسيع القدرة على توفير خدمات الإجهاض الآمن لمن لا تتوفر لديهم هذه الإمكانية داخل دولهم، والهدف المعلن بحسب ما أوردته شبكة “يورونيوز” اليوم الثلاثاء، هو سد فجوة وصول واسعة تُقدَّر بأنها تحرم عشرات ملايين النساء من خيارات طبية آمنة. 

تُظهر بيانات أممية أن الإجهاض الآمن يحفل بمخاطر منخفضة للغاية مقارنة بالإجراءات غير الآمنة، بينما ترتفع معدلات الوفيات والمضاعفات في مناطق تُجرى فيها عمليات إجهاض غير آمنة، وتقدّر جهات أممية أن نسبة كبيرة من عمليات الإجهاض عالمياً تبقى غير آمنة، ما يؤدي إلى حالات وفاة وإدخالات مستشفوية بكلفة إنسانية واقتصادية كبيرة، يطالب المجتمع الصحي بتقليل الحواجز القانونية والإدارية أمام الرعاية الآمنة لأنها وسيلة مثبتة لحماية الحياة والصحة، وفق منظمة الصحة العالمية.

أسباب الحواجز

تتقاطع أسباب عجز النساء عن الوصول إلى الإجهاض الآمن في مستويات متعددة، على المستوى القانوني ثمة تفاوتات بين البلدان بينما شرّعت أغلب دول أوروبا الإجهاض ضمن شروط وحقوق محددة، توجد دول تفرض قيوداً صارمة (بولندا ومالطا أمثلة معروفة) أو تَطبّق أحكاماً إجرائية تجعل الوصول معقداً ومكلفاً، بما يدفع النساء إلى السفر أو اللجوء إلى طرق سرية وغير آمنة، هذه الفوارق الهيكلية تتقاطع مع عوامل أخرى تشمل ندرة مقدمي الرعاية، ورفض الأطباء لأداء الإجراءات لأسباب ضميرية، والتكلفة المالية، وصعوبات النقل خاصة للفئات الفقيرة أو الريفية.

تداعيات الحجب عن الخدمات

عندما يُحرم الناس من الوصول إلى رعاية طبية آمنة تتعاظم مخاطرة الوفاة والمضاعفات الصحية، وتزيد الأعمار المعيشية هشاشة، والنتائج لا تقتصر على الصحة الجسدية فحسب بل ثمة أثر مباشر على الصحة النفسية، وفرص التعليم والعمل، واقتصادياً، تتحمل النظم الصحية تكاليف علاج مضاعفات الإجهاض غير الآمن، بينما تؤدي القيود إلى نزوح المرأة لطلب خدمات عبر الحدود أو السوق السوداء، ما يفاقم عدم المساواة، ومن منظور حقوقي، تؤدي القيود الجنائية والإدارية إلى تمييز قائم على الجنس ويجعل من النساء فئة معرضة لانتهاكات حقوقية ممنهجة. 

ردود الفعل الحقوقية والأممية

طالبت منظمات حقوقية دولية وإقليمية مراراً بمدّ نطاق الحماية القانونية لحق الإجهاض كجزء من الحق في الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية، ودعت توصيات لجان تابعة للأمم المتحدة ومراكز حقوقية إلى إلغاء العقوبات الجنائية على الإجهاض وتسهيل الوصول إلى الخدمات، باعتبار أن التجريم يزيد من مخاطر الصحة العامة ويخالف التزامات الدول بحماية حقوق المرأة والمساواة، وفي أوروبا، ركّزت منظمات المجتمع المدني على أهمية آليات إقليمية وعبر-حدودية لتيسير الوصول في حال استمر التباين والسجال الوطني. 

النتائج العملية للمبادرات والسياسات

تجارب دولية تدعم أن سياسات التمكين -تشمل التمويل العمومي، وإزالة العقوبات، وتوسيع مهام مقدمي الرعاية الأولية، والسماح بالإجهاض الدوائي عن بعد ضمن ضوابط- تقلص من نسب الإجهاض غير الآمن وتحسن مؤشرات الصحة الأمومية، وعلى المستوى الأوروبي، تقترح مبادرات مثل "صوتي، خياري" آليات تمويل تدعم قدرات أنظمة صحية وطنية لتقديم خدمات آمنة لمن تُمنع من الوصول داخل حدود دولها، أو لتسيير آليات إعادة التوطين الطبي أو الدعم المالي للسفر، وهذه الحلول تواجه تحديات سياسية وقانونية لأن تشريع الإجهاض يظل اختصاصاً وطنياً في الاتحاد، لكن التمويل والتعاون العابر للحدود يمكن أن يخفف أضرار التباينات. 

شهدت العقود الأخيرة تقلبات واضحة حيث تدرّجت كثير من البلدان من التجريم الكامل إلى تنظيم الإجهاض بشروط، بينما أعقب الحكم القضائي في الولايات المتحدة عام 2022 موجات من القلق السياسي التي انعكست في نقاشات أوروبية، وفي أوروبا، حافظت دول مختلفة على مسارات متباينة نتيجة عوامل دينية وسياسية وثقافية، ما أنتج خريطة وصول غير متجانسة. 

خريطة الحلول المقترحة

الحلول المقترحة متعدّدة ومتكاملة وتشمل إلغاء العقوبات الجنائية عن المريضات ومقدمي الرعاية، وإدماج الإجهاض الآمن ضمن خدمات الصحة العامة الممولة، وتوسيع التدريب للكوادر وتيسير الإجهاض الدوائي والطب عن بُعد، وآليات تمويل عبر الاتحاد أو شبكات إقليمية لتغطية نفقات الانتقال الطبي، وضمانات ضد رفض الأطباء الذي يعيق الوصول، وبرامج توعية للتقليل من الوصمة، كما أن تطوير شبكات إخبارية قانونية وسرعة إزالة المحتوى المضلل تسهمان في حماية القرار الصحي للنساء.

الوصول إلى الإجهاض الآمن والميسّر قضية متقاطعة بين الصحة العامة وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، والفجوات الحالية في أوروبا وعالمياً تولّد آثاراً ملموسة على حياة النساء وأسرهن وعلى نظم الرعاية الصحية،  حتى إن لم تكن سياسات توحيد القوانين متاحة فوراً، فإن أدوات التمويل العابرة للحدود، وإجراءات إزالة العقوبات، واعتمادات الصحة العامة يمكنها أن تخفف بشكل فعّال من معاناة ملايين النساء وتقلل الوفيات والمضاعفات المرتبطة بالإجراءات غير الآمنة، وتدعو المبادرات المدنية والقانونية الراهنة صناع القرار إلى الاعتراف بأن تمكين الوصول ليس خياراً أخلاقياً فحسب، بل ضرورة صحية وقانونية ومجتمعية ملحّة. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية