غينيا في الاستعراض الدوري.. توصيات وضغوط دولية لتكريس العدالة وحقوق الإنسان
غينيا في الاستعراض الدوري.. توصيات وضغوط دولية لتكريس العدالة وحقوق الإنسان
عقد الفريق العامل المعني بالاستعراض الدوري الشامل دورته التاسعة والأربعين في الفترة من 29 أبريل إلى 10 مايو 2025، واستعرضت الدورة الحالة في غينيا، واعتمد الفريق العامل التقرير المتعلق بها في جلسته الثامنة المنعقدة في 30 أبريل، فيما اختار مجلس حقوق الإنسان فريق المقررين من الجزائر والصين وكولومبيا.
وبحسب التقرير الذي اطلع «جسور بوست» على نسخة منه، والمقرر عرضه خلال الدورة الـ60 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والتي تتواصل فعالياتها حتى 8 أكتوبر المقبل، عرضت غينيا حزمة من التدابير التشريعية والمؤسسية لتقوية منظومة حقوق الإنسان، في وقت لا تزال فيه تتعامل مع تركة ثقيلة من التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتعمل على مواءمة التزاماتها الدولية مع واقع داخلي معقد.
إصلاحات وتشريعات وطنية
وأفاد الوفد الغيني، خلال استعراضه التقرير، بأن الدولة سنّت خلال الفترة الأخيرة عددًا من القوانين ذات الصلة المباشرة بحماية الحقوق والحريات، من بينها قانون الحق في الحصول على المعلومات، بما يضمن الشفافية وتداول المعطيات العامة، وقانون مكافحة الاتجار بالبشر، لحماية الضحايا وتجريم الشبكات، وقانون المعونة القضائية، لتيسير الوصول إلى العدالة لغير القادرين، بالإضافة إلى إطار لحماية الأشخاص ذوي المهق، تعالج بمقتضاه ظاهرة التمييز والانتهاكات التي طالت هذه الفئة.
وتحدث التقرير عن خطوات مؤسسية مكملة لتعزيز فعالية هذه النصوص، مع الإشارة إلى آليات المتابعة الوطنية لتنفيذ التوصيات الصادرة عن الآليات الأممية.
وأكدت الدولة محل الاستعراض، في تقريرها، أن هذه الإصلاحات لا تقف عند حدود سن القوانين، بل تستهدف كذلك تحديث بيئة العمل المؤسسي وتبسيط الإجراءات الإدارية، بما يدعم الثقة العامة ويقوي صلة المواطن بمؤسسات الدولة.
القضاء والعدالة الانتقالية
وركز التقرير على مسار العدالة المتعلق بأحداث 28 سبتمبر 2009 وما ارتبط بها من انتهاكات خطيرة، مشيرًا إلى مضي السلطات في محاسبة المتورطين عبر المسار القضائي المختص، وإلى إنشاء صندوق للتعويضات وصرف مبالغ فعلية لصالح الضحايا وذويهم، كما نوّه ببرامج لتقوية استقلال القضاء عبر التدريب ورفع القدرات، وإدخال أدوات رقمية في إدارة الملفات والإجراءات القضائية بغرض تسريع البت في القضايا وتعزيز الشفافية.
ويبرز في هذا السياق رهان الدولة على سيادة القانون كضمانة للحد من الإفلات من العقاب، وكنقطة ارتكاز لإعادة بناء الثقة المجتمعية بعد سنوات من الاضطراب السياسي. بحسب التقرير.
التعليم والتنمية الاجتماعية
وبين الوفد أن الحكومة تعمل على رفع معدلات الالتحاق بالمدارس، خاصة في المناطق الريفية التي تعاني فجوات في الخدمات، مع التركيز على برامج تدريب المعلمين، ومراجعة المناهج بما يراعي احتياجات التطوير الاقتصادي والاجتماعي، ويذهب التقرير إلى أن تطوير البيئة المدرسية وتيسير الوصول إلى التعليم الأساسي والثانوي يمثلان أولوية متقدمة في السياسة العمومية.
وفي القطاع الصحي، أشارت غينيا إلى تحسين خدمات الرعاية الأولية وتوسيع برامج الأمومة والطفولة، إلى جانب مواجهة الأمراض المعدية وغير السارية عبر خطط وطنية تهدف إلى الوقاية والعلاج ورفع كفاءة المرافق.
ويؤكد التقرير أن الاستثمار في الصحة يقع في قلب مسار التنمية، بوصفه شرطا لتحسين مؤشرات الرفاه ورفع جودة الحياة.
الحكم الرشيد ومكافحة الفساد
وتحدث التقرير عن إجراءات لتعزيز النزاهة والشفافية في إدارة المال العام، وتقوية الدور الرقابي للمؤسسات المختصة، بما يحد من المخاطر المرتبطة بالفساد ويعزز كفاءة الخدمات، كظهير ضروري لكل إصلاح حقوقي، لما بين الحكم الرشيد وحماية الحقوق من ترابط مباشر.
وأولت الحكومة (بحسب التقرير) ملف مكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي اهتمامًا لافتًا، من خلال تشريعات وتدابير وقائية، وتشديد العقوبات على مرتكبيه، وتوسيع نطاق حملات التوعية.
ووفق التقرير، سعت غينيا إلى تحسين تمثيل النساء في مواقع صنع القرار، وإطلاق برامج للتمكين الاقتصادي تسهل الوصول إلى التمويل والخدمات الداعمة لريادة الأعمال.
وأفرد التقرير مساحة لسياسات إدماج الأشخاص ذوي الإعاقة في التعليم وسوق العمل، ولخطط حماية الأشخاص ذوي المهق من الممارسات التمييزية، بما يضمن لهم معاملة كريمة ومتكافئة. بمقاربة تستند إلى التزامات دولية ذات صلة، وإلى حاجة مجتمعية لإزالة العوائق المادية والمعنوية أمام الفئات الهشة.
ولا يُخفي التقرير استمرار جملة من التحديات، من بينها ما يتصل بحرية التعبير والإعلام، وورود حالات اعتقال تعسفي، إضافة إلى استمرار العنف الأسري وبعض الممارسات التقليدية الضارة، كما يسلط الضوء على أوضاع السجون، حيث الاكتظاظ ونقص الخدمات، ما يستدعي إصلاحات هيكلية وتوسيع بدائل العقوبات لتخفيف الضغط وتحسين المعاملة.
توصيات دولية
وتلقت غينيا عددًا كبيرًا من التوصيات من الدول الأعضاء خلال جلسة الاستعراض. وتضمنت هذه التوصيات دعوات إلى التصديق على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، وإلى الانضمام إلى البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، فضلًا عن الانضمام إلى نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. كما طُرحت مطالبات واضحة بالمضي نحو إلغاء عقوبة الإعدام من التشريعات الوطنية اتساقًا مع الحق في الحياة.
وبموازاة ذلك، شجعت التوصيات على تعزيز استقلال القضاء وضمان عدم التدخل في عمله، وتحسين أوضاع أماكن الاحتجاز عبر اعتماد بدائل للعقوبات السالبة للحرية، وتطوير البنية التحتية والخدمات داخل السجون.
وفي ما يخص حقوق المرأة، أكدت توصيات عدة ضرورة مكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي، وتكثيف الجهود للقضاء على الممارسات التقليدية الضارة، مع اتخاذ إجراءات تمكينية لرفع مشاركة النساء في المجالين السياسي والاقتصادي.
وحفزت الوفود غينيا على توسيع هامش التعاون مع المجتمع المدني، واعتماد خطة عمل وطنية لحقوق الإنسان تُترجم الالتزامات الدولية إلى برامج زمنية قابلة للقياس، بما يسهل المتابعة والتقييم ويضمن تراكم النتائج الإيجابية.