الغارة الأمريكية في الكاريبي.. هل أصبحت مكافحة الجريمة مبرراً لانتهاك حق الحياة؟

الغارة الأمريكية في الكاريبي.. هل أصبحت مكافحة الجريمة مبرراً لانتهاك حق الحياة؟
قوات بحرية أمريكية

أحدثت الغارة العسكرية التي نفّذتها الولايات المتحدة على قارب صغير في البحر الكاريبي، وأسفرت عن مقتل 11 شخصاً بحسب إعلان البيت الأبيض، صدمة في المنطقة وأثارت نقاشاً حاداً حول مدى قانونية استخدام القوة المميتة خارج حدود الدولة ومن دون إجراءات إنفاذ قانونية محلية.

 الإعلان الأمريكي تزامن مع عرض فيديو للعملية، فيما نفى الجانب الفنزويلي صحة ادعاءات المصدر وذهب إلى حد وصف بعض المشاهد بأنها مفبركة، وهذه المواجهة الإعلامية والسياسية وضعت في قلبها سؤالين إنسانيين وقانونيين: من يتحمّل المسؤولية عن الأرواح المفقودة، وإلى أي مدى تخضع عمليات القوات المسلحة لقيود حماية الحق في الحياة؟ 

وفق تقارير إخبارية نشرتها وسائل إعلامية من بينها (واشنطن بوست، وفايننشيال تايمز، وأسوشيتدبرس) أعلنت واشنطن أن الضربة استهدفت زورقاً يشتبه أنه كان محملاً بمخدرات وغادر من سواحل فنزويلا، وجاءت في إطار تصعيد نشر قوات بحرية أمريكية في جنوبي البحر الكاريبي ومهام واسعة لمكافحة شبكات تهريب والجريمة المنظمة في المنطقة. 

ووصف بعض المسؤولين الأمريكيين العملية بأنها جزء من حملة أوسع ضد فصائل اتهمتها واشنطن بتهريب مخدرات ورعاية عنف إقليمي، في المقابل تباينت ردود فعل بلدان الجوار: تأييد من بعض حكومات الجزر الكاريبية وشجب من دول أخرى التي شككت في شرعية وشكل التنفيذ. 

الحق في الحياة

القانون الدولي لحقوق الإنسان يضع معايير صارمة بشأن استخدام القوة المميتة، حيث تؤكد نصوص صريحة في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على الحق في الحياة وواجب الدول بحمايته، بينما تنص المبادئ الأساسية لاستخدام القوة من قبل أجهزة إنفاذ القانون على أن استخدام القوة والرصاص يجب أن يقتصر على ما هو ضروري تماماً ومتناسب مع الهدف المشروع لحماية الأرواح أو منع جريمة خطيرة. 

كما أكد الفقه الدولي واللجنة المعنية بحقوق الإنسان أن التزامات الدولة قد تمتد خارج حدودها متى ما مارست سيطرة فعلية تقتضي تطبيق حقوق الإنسان، لذلك أي غارة قتلت أشخاصاً كانت ولا تزال خاضعة لقواعد الضرورة والتناسب والبدائل المتاحة، ويفترض أن تبررها الدولة التي نفذتها أمام معايير التحقيق المستقل بحسب المفوضية السامية لحقوق الإنسان.

طالبت منظمات حقوقية دولية، وعلى رأسها منظمة العفو الدولية، بإجراء تحقيق مستقل ونزيه في حادث البحر الكاريبي، وحذرت من أن استخدام القوة المميتة في هذا السياق قد يشكّل انتهاكاً واضحاً لحق الحياة إذا تبين عدم توافر شروط الضرورة أو وجود بدائل أقل فتكا. 

دعت المنظمات أيضاً إلى شفافية تامة في الإفصاح عن الأدلة والاعتبارات التي أفضت إلى قرار استخدام القوة، وإلى مساءلة فورية في حال ثبوت إخلالات، وعلى الصعيد الإقليمي، أعربت حكومات عن مخاوف متفاوتة؛ فبعضها رحّب بالإجراء باعتباره ضربة ضد شبكات إجرامية، بينما اعتبرته دول مجاورة انتهاكا للمبادئ الأساسية لحل النزاعات عبر السبل السلمية وإثارة خطورة تصاعد التوترات الإقليمية. 

المبررات الأمريكية وفضاء السياسة

المسؤولون الأمريكيون برروا الضربة ضمن إطار مكافحة تهريب المخدرات والجريمة المنظمة، مع إبراز معلومات قصوى السرية تنصّب واشنطن على أن الزورق كان جزءاً من عمليات لتهريب كميات كبيرة تهدد أسواق دولية، لكن استخدام قوّات عسكرية لقتل أشخاص في عرض البحر يختلف من حيث الطابع القانوني والعملي عن مهام الشرطة أو اعتراضات بحرية مدنية، ولا يغطيه تلقائياً ذريعة مكافحة المخدرات دون اتباع إجراءات قانونية صارمة وإثبات الخطر الفوري واللازم، كما أن عرض لقطات الفيديو عبر منصات سياسية أضاف بعداً شعبوياً للقرار، ما أثار تساؤلات عن ملاءمة المعايير القانونية أمام مآلات سياسية واستهدافات استراتيجية أوسع. 

المحصلة الفورية خسارة أرواح، لكن التداعيات تمتد إلى موجات تصعيد دبلوماسي وزيادة انتشار السلاح والنفوذ المسلح في المنطقة، خصوصاً إذا اعتُبرت الغارة عملاً أحادي الجانب ينتهك السيادة أو يهدد الأمن البحري، كما أن تبعاتها الإنسانية تشمل أهل الضحايا وعائلاتهم، الذين يحقّ لهم التحقيق في ملابسات وفاة ذويهم والحصول على تعويض إذا تبين انتهاك القانون الدولي. 

على المدى المتوسط تطول المخاطر مسارات التهريب نفسها، إذ قد تحفّز العمليات العسكرية تصعيداً من جانب الشبكات الإجرامية أو أوراق ضغط دولية تؤثر في استقرار دول الجوار. 

استخدام القوة عبر البحار 

تستدعي هذه الغارة نقاشات أوسع عن استخدام القوة عبر البحار في إطار حرب على المخدرات أو ضد الإرهاب، إذ سبق للدول أن نفّذت عمليات عبر الحدود استناداً إلى اعتبارات أمنية، لكن القضاء الدولي والهيئات الحقوقية رسّخوا متطلبات التحقيق والمساءلة، لا سيما بعد تجارب عقود سابقة، كما أن سياق العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة وفنزويلا، وتصاعد اتهامات واشنطن لبعض فواعل في المنطقة بصلات مع شبكات تهريب، يضع الحادث في إطار تناقض بين الأمن الوطني ومقتضيات احترام حقوق الإنسان.

الغارة الأمريكية في البحر الكاريبي رفعت سقف التدخلات الأمريكية وأظهرت حاجات ملحّة لآليات رقابية وقانونية واضحة عند تداخل مهام مكافحة الجريمة المنظمة مع استخدام القوة العسكرية، وقد أوصى الفقه الدولي والمنظمات الحقوقية بخطوط عمل محددة تشمل تحقيق دولي مستقل وشفاف في الحادث، نشر معلومات موثوقة حول أسس الاستهداف والبدائل المتاحة للحجز أو التعطيل غير القاتل، وتعهدات بمساءلة حال ثبوت تجاوزات.

كما دعت جهات إلى تفعيل منتديات إقليمية للتنسيق بين دول الكاريبي وفنزويلا والولايات المتحدة لخفض احتمالات الردود التصعيدية وحماية المدنيين، ويجب أن تبقى المعايير الدولية للحق في الحياة، والضرورة والتناسب، خريطة الطريق لأي إجراء يبرّر استخدام القوة المميتة، وإلا فإن الساحة الدولية ستشهد بروز سابقة خطيرة قد تُقوّض حماية الأرواح وتزعزع استقرار المنطقة وفق منظمة العفو الدولية والمفوضية السامية لحقوق الإنسان.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية