بين لهيب الغابات وصرخات المنازل.. حرائق جديدة تعصف بجنوب أوروبا
بين لهيب الغابات وصرخات المنازل.. حرائق جديدة تعصف بجنوب أوروبا
من جديد، يجد مئات الإطفائيين أنفسهم في مواجهة نيران تلتهم الغابات والقرى في البرتغال وإسبانيا، بعد صيف حارق وُصف بأنه الأشد منذ ما يقرب من قرن.
في سييا وسط البرتغال يكافح أكثر من 600 عنصر إطفاء ألسنة اللهب التي أشعلتها رياح قوية وأجبرت السلطات على إغلاق طرق عدة. والأولوية، كما يقول رجال الحماية المدنية، "هي حماية المنازل"، في حين تتصاعد أعمدة الدخان وتتحول السماء إلى لوحة رمادية خانقة بحسب فرانس برس.
الشرطة أعلنت توقيف شخص يشتبه في إشعاله الحريق، لكن الغضب الشعبي يتجاوز الأفراد إلى سؤال أكبر: هل لا تزال الطبيعة قادرة على الاحتمال؟
حرائق متجددة في إسبانيا
في الجهة الأخرى من الحدود، اضطرت السلطات الإسبانية إلى اتخاذ تدابير احترازية في قرية كاستروميل شمال غرب البلاد، بعدما اندلع حريق جديد قرب المنطقة التي ما زالت آثار أغسطس الأسود ماثلة فيها، وهناك، استعادت الرياح القوية رماد الحرائق القديمة وأيقظت ألسنة اللهب مجددًا، في مشهد بدا وكأن الأرض نفسها لم تنجح في التقاط أنفاسها.
الحرائق التي ضربت البرتغال وإسبانيا هذا الصيف لم تكن عابرة، ففي البرتغال وحدها ابتلعت النيران نحو 254 ألف هكتار، في حصيلة هي الأثقل منذ كوارث 2017، أما في إسبانيا، فقد قُتل أربعة أشخاص وأتت النيران على أكثر من 300 ألف هكتار، لتجعل من 2025 عامًا محفورًا في ذاكرة البيئة والمجتمعات الريفية.
الأرصاد الجوية البرتغالية وصفت هذا الصيف بأنه "الأحر والأكثر جفافًا منذ عام 1931"، وهي إشارة مرعبة إلى أن التغير المناخي لم يعد نقاشًا نظريًا، بل واقع يحاصر حياة الناس ومصادر رزقهم وأمنهم.
وجوه خلف الدخان
بين أصوات صفارات الإطفاء وهدير المروحيات، هناك قصص لمزارعين فقدوا أراضيهم، وعائلات أغلقت أبواب بيوتها على عجل قبل أن تجرفها ألسنة اللهب، هناك من يصرخ: "أنقذوا بيوتنا"، وهناك من يكتفي بالنظر إلى السماء الحمراء بعيون يائسة.
الحرائق لا تحرق الأشجار وحدها، بل تحرق ذاكرة القرى، وأمان العائلات، وصورة الغد.
ولم تعد الحرائق مجرد "مواسم صيفية"، بل تحوّلت إلى جرس إنذار متكرر لأوروبا بأكملها، فقد سجّلت القارة في السنوات الأخيرة موجات حر وجفاف غير مسبوقة، من فرنسا وإيطاليا إلى اليونان والبرتغال وإسبانيا، وذكر تقرير المفوضية الأوروبية عن "خطر تغير المناخ" أن الحرائق في جنوب أوروبا تضاعفت خلال العقد الماضي، وأن أكثر من نصف مساحة الغابات باتت مهددة سنويًا.
ويحذّر خبراء البيئة من أن استمرار ارتفاع درجات الحرارة سيجعل فصول الصيف الأوروبية أشد قسوة، مع حرائق أكبر وأطول زمنًا، وخسائر اقتصادية وبيئية هائلة، والمشهد الذي يعيشه سكان سييا وكاستروميل اليوم ليس استثناءً، بل صورة مصغّرة لما قد تصبح عليه القارة إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة لخفض الانبعاثات وتعزيز خطط الوقاية.