20 محافظة بلا قطرة مطر.. "الأرصاد الإيرانية": البلاد تواجه خطر الانهيار المائي
20 محافظة بلا قطرة مطر.. "الأرصاد الإيرانية": البلاد تواجه خطر الانهيار المائي
وسط تحذيرات غير مسبوقة من السلطات الإيرانية، تتكشف ملامح أزمة مائية هي الأخطر منذ أكثر من نصف قرن، إذ أكدت هيئة الأرصاد الجوية في طهران أن البلاد تقف على أعتاب "يوم الصفر المائي"، وهو اليوم الذي قد تضطر فيه الحكومة إلى قطع المياه عن المدن الكبرى وتوزيعها بالتناوب بسبب نفاد الموارد المائية.
في مدينة همدان، أعلنت مديرة هيئة الأرصاد الجوية الإيرانية سحر تاجبخش أن إيران في وضع حرج للغاية، مشيرة إلى أن البلاد تواجه واحدة من أسوأ موجات الجفاف في تاريخها الحديث.
وأضافت أن “مشكلة المياه في إيران كبيرة جداً، وأن السيطرة على الاستهلاك أصبحت أولوية وطنية، وفق شبكة “rudawarabia”.
وبحسب مديرية إدارة الموارد المائية الإيرانية، لم تسقط منذ بداية الخريف قطرة مطر واحدة في 20 محافظة من أصل 31 محافظة في البلاد، من بينها سنندج وكرماشان وإيلام ولورستان، أما المحافظات التي شهدت بعض الهطولات، فقد كانت كميتها ضئيلة للغاية، إذ بلغت في أرومية 1 مليمتر فقط.
وفي إحدى أكثر الإحصاءات صدمة، سجلت الهيئة انخفاضاً بنسبة 77 في المئة في معدل الأمطار مقارنة بالعام الماضي، حيث بلغ متوسط الهطول في 11 محافظة 3.4 مليمتر فقط، مقابل 14.8 مليمتر في الموسم السابق.
اعتراف حكومي
في اجتماع المجلس الأعلى للمياه، دعا النائب الأول للرئيس الإيراني محمد مخبر إلى مصارحة المواطنين بحقيقة الأزمة قائلاً "يجب أن نقول للناس الحقائق حول مشكلة المياه، وأن نعيد تنظيم استهلاكها بمشاركتهم"، وأقر بأن بعض المدن تستهلك ما يقارب 250 لتراً من المياه للفرد يومياً، أي أكثر من ضعف المعدل الأوروبي الذي لا يتجاوز 100 لتر.
وأشار مخبر إلى أن إدارة المياه لا يمكن أن تظل مسؤولية حكومية فقط، مؤكداً ضرورة إشراك المجتمع في الترشيد، وإعادة النظر في أساليب الزراعة التي تستهلك كميات ضخمة من المياه، كما ألمح إلى أن الحكومة بصدد مراجعة سياسة الاكتفاء الذاتي الزراعي، مبدياً استعدادها للتخلي عن زراعة محاصيل كثيفة الاستهلاك للمياه في المناطق الجافة.
وقال رئيس المركز الوطني للمناخ ومكافحة أزمة الجفاف، إن البلاد تمر هذا العام بأسوأ أوضاعها المطرية منذ 57 عاماً، وأكد أن إيران تواجه العام السادس على التوالي من الجفاف، وأن كميات الأمطار المتوقعة حتى نهاية الشهر الثاني من الخريف لن تكون كافية لتحسين الوضع.
ووفقاً للمركز، فإن موارد المياه السطحية والجوفية وصلت إلى مستويات حرجة، بينما تواجه المدن الكبرى مثل طهران وتبريز ومشهد تحديات حقيقية في تأمين مياه الشرب، والتحذير الأكثر خطورة جاء من احتمال بلوغ اليوم الصفري المائي، وهو السيناريو الذي قد يفرض تقنيناً صارماً وقطعاً دورياً للمياه.
إجراءات في العاصمة
في طهران، عقدت السلطات اجتماعاً خاصاً بحضور وزير الطاقة عباس علي آبادي لبحث أزمة المياه والسدود الخمسة التي تغذي المدينة بالمياه، وكشف المتحدث باسم هيئة المياه الإيرانية، عيسى بزرگزاده، عن قرار بخفض استهلاك المياه في العاصمة بنسبة 10 في المئة، بعد أن تبين أن المخزون خلف السدود أصبح في حدوده الدنيا.
كما أعلن مدير شركة مياه طهران بهزاد بارسا أن سد أمير كبير، أحد أهم مصادر مياه الشرب للعاصمة، لم يعد يحتوي سوى على 14 مليون متر مكعب من المياه، أي نحو 8 في المئة فقط من سعته، وهو ما يكفي لإمداد طهران لمدة أسبوعين لا أكثر.
وحذّر وزير الطاقة من أن المشتركين الذين يتجاوزون المعدلات المحددة سيواجهون قطع المياه وفرض غرامات، داعياً إلى “التعاون الشعبي الكامل من أجل تفادي الانهيار المائي”.
انعكاسات بيئية واقتصادية
يمثل استمرار الجفاف تهديداً واسعاً للزراعة وتربية المواشي، وهما قطاعان يشكلان العمود الفقري للاقتصاد الريفي الإيراني.. انخفاض منسوب المياه يؤدي أيضاً إلى تزايد ظاهرة هبوط الأراضي، وهي من أخطر النتائج البيئية للجفاف، إذ يتسبب فقدان المياه الجوفية في انهيار الطبقات الأرضية بشكل دائم.
ويحذر خبراء المناخ من أن استمرار السياسات الحالية في استنزاف المياه الجوفية سيؤدي إلى أضرار طويلة الأمد لا يمكن عكسها بسهولة، كما أن ندرة المياه قد ترفع أسعار الغذاء وتؤثر على الأمن الغذائي، ما قد يدفع الحكومة إلى استيراد مزيد من المنتجات الزراعية رغم العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.
وتتحدث أوساط حكومية عن توجه نحو إعادة رسم الخريطة المائية والزراعية في البلاد، مع دراسة جدوى نقل المياه من مناطق الشمال إلى وسط البلاد، غير أن خبراء بيئيين حذروا من أن مشروعات النقل المكلفة قد تزيد الضغط على الأحواض المائية في الشمال وتفاقم التدهور البيئي في مناطق أخرى.
في المقابل، ترى بعض الجهات الإصلاحية أن الحل يجب أن يبدأ بتغيير ثقافة الاستهلاك، وإصلاح شبكات المياه المتهالكة التي تتسبب في فقدان نسب عالية من المياه قبل وصولها للمستهلكين، فضلاً عن التوسع في تقنيات إعادة التدوير وتحلية المياه في المناطق الساحلية.
أزمة عابرة للسياسة
رغم تباين المواقف السياسية، يبدو أن الجفاف في إيران أصبح أزمة تتجاوز الخلافات الداخلية، إذ يتفق المسؤولون والمختصون على أن البلاد أمام تحدٍ وجودي يتطلب إصلاحات جذرية في إدارة الموارد الطبيعية.
وأعادت الأزمة الحالية إلى الأذهان فترات الجفاف الشديد التي شهدتها إيران في سبعينيات القرن الماضي، لكنها اليوم أكثر تعقيداً بفعل النمو السكاني والتغير المناخي.
بين صمت الغيوم وجفاف الأرض، تواجه إيران واقعاً مائياً بالغ الخطورة يهدد مدنها واقتصادها وبيئتها، ومع تحذيرات الأرصاد بأن الشتاء القادم لن يكون كافياً لإنقاذ الموسم، تتجه الأنظار إلى الحكومة والمجتمع معاً لمعرفة ما إذا كان بإمكان البلاد تجنب الوصول إلى اليوم الذي تصبح فيه قطرة الماء أثمن من النفط.










