انقطاع الكابلات البحرية.. كيف تتهدد حياة الملايين عبر تعطيل الإنترنت؟
انقطاع الكابلات البحرية.. كيف تتهدد حياة الملايين عبر تعطيل الإنترنت؟
فوجئ ملايين المستخدمين في آسيا وأوروبا والشرق الأوسط بتباطؤ شديد أو توقف جزئي لخدمات الإنترنت، عقب انقطاع كابلات بحرية تمر عبر البحر الأحمر، أحد أهم الممرات الاستراتيجية لشبكات الاتصال العالمية، من الهند وباكستان، وصولًا إلى تركيا وأجزاء من أوروبا، كان المشهد واحدًا: شاشات متجمدة وخدمات بطيئة، في وقت لم تصدر أي جهة رسمية إعلانًا حاسمًا يحدد سبب العطل بدقة.
وتباينت المؤشرات، لكن خريطة نشرها نائب وزير النقل التركي لشؤون الاتصالات، عمر فاتح سايان، الأحد، وفق وكالة أنباء الأناضول، أظهرت أن الانقطاعات أثرت في تركيا وأجزاء من جنوب شرقي أوروبا وأوكرانيا وروسيا وغرب أوروبا، وتزامن ذلك مع صعوبة الوصول إلى بعض خدمات "غوغل" ومنها "يوتيوب"، ما فتح الباب لتكهنات حول صلة الانقطاع بتعطل الكابلات البحرية.
تقرير منظمة "نت بلوكس" المستقلة، المتخصصة بمراقبة الإنترنت، أكد أن المشكلة ناتجة عن أعطال في أنظمة الكابلات (SMW4) و(IMEWE) في البحر الأحمر، وهو ما انعكس مباشرة على خدمات الاتصال في عدة دول.
البحر الأحمر ساحة توتر
أثارت الأزمة مخاوف واسعة بشأن احتمالية استهداف هذه الكابلات من قبل الحوثيين في اليمن، خاصة أن البحر الأحمر شهد خلال العامين الماضيين هجمات متكررة استهدفت أكثر من 100 سفينة، أسفرت عن إغراق أربع منها ومقتل ما لا يقل عن ثمانية بحارة، ورغم نفي الحوثيين مسؤوليتهم المباشرة عن انقطاعات الإنترنت، فإن الاتهامات ظلت قائمة، خصوصًا مع إعلان الحكومة اليمنية في مطلع 2024 أن هناك خططًا لاستهداف الكابلات البحرية.
الكابلات البحرية تمثل العمود الفقري للإنترنت العالمي، حيث يُنقل عبرها ما يزيد على 95% من حركة البيانات الدولية،أي انقطاع أو ضرر يلحق بها يترك أثرًا مباشرًا في حياة الأفراد والاقتصادات، من الخدمات المصرفية والتجارية إلى التعليم والعمل عن بُعد، وإصلاح هذه الكابلات ليس أمرًا سريعًا، إذ يتطلب إرسال سفن متخصصة لتحديد مكان الضرر وإصلاحه، وهي عملية قد تستغرق أسابيع.
شركة "مايكروسوفت" حذرت مستخدمي خدمتها السحابية "أزور" من زيادة محتملة في زمن الوصول إلى البيانات (latency) في المنطقة، وأكدت أنها أعادت توجيه الحركة عبر مسارات بديلة لتفادي توقف الخدمة، ورغم هذه الخطوة، فإن شركات عدة تعتمد على خدمات الحوسبة السحابية قد تواجه صعوبات تشغيلية، خاصة في الشرق الأوسط وجنوب آسيا.
أما "غوغل"، فقد تأثرت خدماتها بشكل ملحوظ في تركيا وبعض دول أوروبا، وهو ما انعكس على ملايين المستخدمين الأفراد وعلى أنشطة تجارية تعتمد على منصاتها.
الآثار الإنسانية والاقتصادية
لا يقتصر تأثير انقطاع الإنترنت على تعطل الترفيه أو الاتصال الاجتماعي، بل يمتد إلى قطاعات حيوية، ففي الهند وباكستان، شكا المستخدمون من صعوبة إنجاز المعاملات البنكية عبر الإنترنت، كذلك تأثرت الشركات التي تعتمد على التجارة الإلكترونية، وفي أوروبا، واجه طلاب وعاملون صعوبات في الوصول إلى أدوات التعليم والعمل عن بُعد.
تُظهر هذه الأزمة كيف يمكن لخلل في كابل بحري واحد أن يربك حياة ملايين الأشخاص ويؤثر في الاقتصاد الرقمي العالمي، الذي بات يعتمد بشكل متزايد على الاتصالات الفورية.
ورغم أن القانون الدولي للبحار ينص على حماية الكابلات البحرية، فإن تطبيق هذه القوانين في مناطق النزاعات مثل البحر الأحمر يظل معقدًا، المنظمات الأممية لم تُصدر بعد بيانًا رسميًا يحمّل جهة معينة المسؤولية، لكن خبراء القانون الدولي يحذرون من أن استهداف الكابلات قد يُعد جريمة حرب إذا ثبت أنه كان متعمدًا في سياق نزاع مسلح.
الانقطاع الأخير لم يكن مجرد حادث تقني، بل جرس إنذار عالمي، فملايين الأشخاص في قارات مختلفة وجدوا أنفسهم فجأة في عزلة رقمية، ما كشف عن الوجه الإنساني لأزمة البنية التحتية الرقمية، وبينما تتشابك أسباب الأعطال بين الصراع والسياسة والتقنية، تبقى الحقيقة الأوضح أن الإنترنت، الذي أصبح عصب الحياة اليومية، هشّ إلى درجة أن كابلًا واحدًا في أعماق البحر قادر على تعطيل عالم بأكمله.