من القصف إلى الاحتجاز.. انعكاسات بيان المملكة المتحدة على الحقوق والعدالة في ميانمار

من القصف إلى الاحتجاز.. انعكاسات بيان المملكة المتحدة على الحقوق والعدالة في ميانمار
روهينغا نازحون من ميانمار

أعادت المملكة المتحدة في جلسة الحوار المعزز أمام مجلس حقوق الإنسان في اجتماعات دورته الستين المنطلقة، اليوم الاثنين في جنيف، تأكيد دور آلية التحقيق المستقلة بشأن ميانمار في جمع وحفظ الأدلة التي قد تُستخدم لملاحقة مرتكبي انتهاكات جسيمة. 

وينسجم بيان السفيرة البريطانية مع تقارير آلية التحقيق والأمم المتحدة التي توثق نمطاً متكرراً من القتل، والاعتقال التعسفي، والتعذيب والعنف الجنسي، ولا سيما حدوث ذلك في مرافق الاحتجاز التي يسيطر عليها الجيش.

وتُظهر الأدلة المتراكمة تزايداً في العنف الجسيم، بما في ذلك غارات جوية واسعة النطاق وتصاعد قيود الوصول الإنساني بعد زلزال مارس، ما يعمّق الحاجة إلى آليات حفظ الأدلة والمساءلة الدولية وفق موقع الحكومة البريطانية.

أسباب الأزمة ومسار التصعيد

تتقاطع أسباب الانتهاكات الراهنة وفي بيان السفيرة البريطانية في المجلس الأممي مع تحولات سياسية وأمنية أعمق، حيث شكل انقلاب فبراير 2021 نقطة تحوّل دراماتيكية أدّت إلى تفتت السلطة واندلاع مقاومة مسلحة واسعة، فردّت القوات المسلحة بعنف متصاعد ضد السكان المدنيين والمناطق المكتسبة من قِبل فصائل مسلحة محلية.

كما أعاد استمرار النزاع إلى الواجهة أزمات سابقة في البلاد، بما في ذلك ما تعرض له الروهينغا في 2017 الذي دفع بمحاكمات دولية وجهود تحقيق دولية مستمرة، وفي 2025 أدى زلزال مدمر في مارس إلى تدهور إضافي؛ إذ شهدت بعض المناطق تكثيف غارات الجيش، ما عزز أعداد الضحايا والنازحين وصعّب إيصال المساعدات.

توثّق تقارير مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن آلاف المدنيين قُتلوا وجُرح كثيرون، في حين سجّلت أرقام الاعتقالات والاحتجاز التعسفي وتشريد الملايين، وتشير مراجعات رسمية إلى مقتل آلاف المدنيين منذ الانقلاب، واعتقال عشرات الآلاف، ونزوح أكثر من ثلاثة ملايين شخص داخل البلاد، إضافة إلى حاجة نحو عشرين مليوناً للمساعدات الإنسانية، كما رصدت آلية التحقيق أن نماذج التعذيب، بما في ذلك الصعق والضرب والعنف الجنسي، قد وُثّقت في مرافق الاحتجاز. 

الإطار القانوني الدولي

تعمل آلية التحقيق المستقلة على جمع وتحليل الأدلة وإعداد ملفات لتسهيل متابعة القضايا أمام محاكم وطنية أو إقليمية أو دولية مستقبلية، وفي هذا السياق، تتقاطع أعمال الآلية مع ممارسات مؤسسات قضائية دولية قائمة، حيث تنظر محكمة العدل الدولية في دعوى غامبيا المتعلقة باتهامات الإبادة بحق الروهينغا، في حين فتح المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية تحقيقات وإجراءات بهدف ملاحقة قادة مشتبه بهم لمسؤوليات على جرائم ارتكبت داخل وخارج حدود اختصاص المحكمة، ويزيد توثيق الآلية وتبادلها للأدلة مع جهات تحقيق وطنية ودولية من فرص بناء ملفات مقنعة أمام محاكم ذات اختصاص. 

رحبت منظمات حقوقية دولية مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية بالإبراز المتواصل للانتهاكات، لكنها طالبت بتعزيز الحماية للضحايا وضمان عدم تعريض الشهود والناجين للمزيد من المخاطر، بدورها، شددت مفوضية الأمم المتحدة السامية على ضرورة إيصال المساعدات ورفع حدة الجهود الدبلوماسية لوقف الانتهاكات، في حين أكدت الآلية الحاجة إلى دعم مالي وتقني لحفظ الأدلة وحماية الشهود. 

موقف المملكة المتحدة جاء متوافقاً مع هذه المطالب، إذ أعلنت عن دعم مالي وتقني للآلية يسهم في تأمين الأدلة وإمكانية استخدامها لاحقاً في إجراءات قضائية. 

تداعيات إنسانية وقانونية

تتعدى التداعيات الأثر المباشر للقتل والجرح، فهي تمتد إلى تفكك المجتمعات، تعظيم معاناة النازحين، تعطيل الخدمات الصحية والتعليمية، وتفاقم انعدام الأمن الغذائي، وقانونياً، يمثّل تكثيف الانتهاكات تحدياً لمبادئ أحكام القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان، ويضع الدول الأخرى أمام تساؤلات حول واجباتها في الوقوف ضد الإفلات من العقاب وتأمين سبل العدالة للضحايا، كما أن استمرار التدهور يعرقل أي محاولات للإصلاح المؤسسي أو العودة إلى حكم مدني مستقر. 

تشير تقارير الآلية والأمم المتحدة إلى ثغرات عملية، من ضعف الحماية للشهود والناجين، إلى قيود في الوصول الإنساني، ونقص تمويل مستدام لجهات توثيق الأدلة، وتقترح الوثائق تعزيز آليات حماية الشهود والضحايا، تمويل برامج دعم نفسي واجتماعي، صيغ تعاون أمني وقضائي مع دول طرفية ومنظمات إقليمية، وإجراءات فنية لحفظ البيانات والأدلة بشكل آمن، كما توصي بتوسيع نطاق التدريب القانوني للجهات القضائية والجنائية لضمان قبول الأدلة في ساحات مختلفة مع مراعاة حقوق الدفاع وحياد الإجراءات.

يبقى جمع الأدلة وحفظها خطوة مركزية نحو المساءلة، وهو ما يجعل آلية التحقيق المستقلة ركيزة لا غنى عنها في المشهد الراهن، إن إعلان المملكة المتحدة ودعمها للعملية يمثل إشارة سياسية وقانونية مهمة، لكنه لا يغني عن مطلب أوسع بتنسيق دولي وإقليمي ومساءلة فعّالة تقود إلى محاكمات منصفة وتعويضات ملائمة وإنصاف للضحايا، تظل المعادلة واضحة: دون تمويل كافٍ، وحماية للناجين، وتعاون دولي فعّال، ستبقى المسارات القضائية صعبة، وتتواصل معاناة ملايين المدنيين الذين يئنّون تحت وطأة العنف والتهجير والافتقار إلى العدالة. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية