بين الغضب والتضامن.. المظاهرات المناهضة للهجرة تكشف عن أزمة اجتماعية في بريطانيا
بين الغضب والتضامن.. المظاهرات المناهضة للهجرة تكشف عن أزمة اجتماعية في بريطانيا
شهدت المملكة المتحدة منذ يوليو الماضي سلسلة مظاهرات مناهضة للمهاجرين، بدأت في مدينة إيبنغ الصغيرة عقب اتهام طالب لجوء إثيوبي بالاعتداء الجنسي على فتاة محلية.
وفي الرابع من سبتمبر الجاري، أدانت المحكمة المتهم بخمس تهم على أن تصدر العقوبة في 23 سبتمبر، هذا الحادث فجّر غضباً سرعان ما انتقل إلى مدن أخرى، مركّزاً على قضية إيواء طالبي اللجوء داخل الفنادق.
وذكر موقع “مهاجر نيوز”، الثلاثاء، أن هذا الحراك جاء امتداداً لموجة احتجاجات صيف العام الماضي عقب مقتل ثلاث فتيات في ساوثبورت، حين جرى اتهام القاتل خطأ بأنه مهاجر غير نظامي، قبل أن يتبين أنه مراهق بريطاني من أصول رواندية.
وأوضح أن اليمين المتطرف، وعلى رأسه حزب "الإصلاح" بزعامة نايجل فاراج، لعب دوراً محورياً في إذكاء هذه الاحتجاجات عبر توظيف الخطاب الشعبوي المعادي للأجانب.
قرارات قضائية متناقضة
حاولت بلدية إيبنغ إغلاق فندق "بيل" الذي يأوي نحو 130 طالب لجوء من الرجال العزاب، وفي البداية، أيدت المحكمة العليا هذا القرار، لكن محكمة الاستئناف ألغته معتبرة أن تبعاته قد تمتد إلى مدن أخرى وتفاقم أزمة السكن.
ومنح هذا الحكم حكومة كير ستارمر بعض الارتياح، إذ كان إغلاق عدة فنادق دفعة واحدة سيؤدي إلى انهيار نظام إيواء طالبي اللجوء.
وأكدت وزيرة الداخلية السابقة إيفيت كوبر أن الفنادق ستُغلق تدريجياً بحلول عام 2029، ضمن خطة لإيجاد بدائل أكثر استدامة، غير أن خلفها شابانا محمود واجهت غضباً متصاعداً، بعدما اعتبر المحتجون أن هذه الوعود بطيئة وغير واقعية.
ورغم اتخاذ الحكومة إجراءات لتقييد حقوق طالبي اللجوء، لم ينجح ذلك في تهدئة الشارع.
جذور الأزمة الاقتصادية
أرجعت الباحثة المتخصصة في قضايا الهجرة صوفي وات من جامعة شيفيلد، أسباب الغضب الشعبي إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية بعد سنوات من التقشف، موضحة أن "22% من السكان يعيشون تحت خط الفقر ولا يستطيعون الخروج منه".
وأضافت أن الإعلام اليميني المتطرف ضخّم صورة المهاجرين وكأنها مصدر تهديد، ليصرف الأنظار عن الأزمات المعيشية التي يعانيها البريطانيون.
وشهدت بعض المظاهرات أعمال شغب وتخريب، كما حدث في مدينة ويست دريتون نهاية آب/ أغسطس، حين اضطر عدد من طالبي اللجوء إلى مغادرة الفندق بعد مواجهات عنيفة.
ومنذ ذلك الحين، تجنّب العديد من طالبي اللجوء الخروج من أماكن إقامتهم خوفاً من الاستهداف، ما زاد من عزلتهم النفسية والاجتماعية.
أصوات مضادة للتمييز
أسست الناشطة المحلية كيري جيلروي، بمشاركة مواطنة أخرى تدعى أليس ماركولين، مجموعة "إيبنغ للجميع"، لتقديم صورة مغايرة للرأي العام.
وأكدت جيلروي أن "المتظاهرين لا يمثلون كل السكان، نحن نشعر بالارتياح لوجود طالبي اللجوء بينهم، والفندق ليس مشكلة".
وردّت المجموعة على الأعلام الوطنية التي رفعها المتظاهرون بتعليق شرائط ملوّنة تعبر عن التضامن مع المهاجرين.
صراع الخطاب الإعلامي
اعتبرت صوفي وات أن المتظاهرين "أقلية صاخبة" تملك نفوذاً إعلامياً غير متناسب مع حجمها الفعلي، مشيرة إلى أن مبادرات مثل "إيبنغ للجميع" تكسر هذه الهيمنة عبر تقديم خطاب بديل أكثر تسامحاً وإنسانية.
وعرفت بريطانيا خلال العقدين الأخيرين تصاعداً في المظاهرات المناهضة للهجرة، خاصة بعد استفتاء "بريكست" عام 2016 الذي غذّى النزعة القومية.
ورغم أن البلاد تعتمد على العمالة الأجنبية في قطاعات حيوية مثل الصحة والخدمات، فإن ملف الهجرة ظل ورقة انتخابية حساسة تستغلها الأحزاب الشعبوية لتعبئة الجماهير.