نيكاراغوا بين قبضة الاستبداد وتآكل الحقوق.. تقرير أممي يكشف تصاعد الانتهاكات
نيكاراغوا بين قبضة الاستبداد وتآكل الحقوق.. تقرير أممي يكشف تصاعد الانتهاكات
عقد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة دورته الـ60، التي تتواصل في جنيف حتى 8 أكتوبر المقبل. وفي هذا السياق، قدم المفوض السامي لحقوق الإنسان تقريرًا شاملًا عن أوضاع حقوق الإنسان في نيكاراغوا، يغطي الفترة من 5 سبتمبر 2024 حتى 15 يونيو 2025.
التقرير، الذي اطلع «جسور بوست» على نسخة منه، يرسم صورة قاتمة عن تدهور مستمر للحريات الأساسية، في ظل استمرار السلطات في فرض قيود مشددة على المجتمع المدني والإعلام والمعارضة السياسية.
وأبرز التقرير أن السلطات في نيكاراغوا اعتمدت سلسلة من الإجراءات التي قلصت من المشاركة السياسية، بما في ذلك إلغاء تسجيل عدد من الأحزاب السياسية المعارضة، وفرض قيود قانونية وتنظيمية معقدة حالت دون قيام المواطنين بتأسيس كيانات مستقلة أو خوض الانتخابات بحرية.
وأشار التقرير إلى أن التعديلات الدستورية والقانونية الأخيرة ضيقت من فرص الترشح، ورسخت هيمنة السلطة التنفيذية على مجمل العملية السياسية، ما حرم شرائح واسعة من المجتمع من التعبير عن خياراتها السياسية بشكل سلمي وديمقراطي.
حرية التعبير والإعلام
وأكد التقرير أن الفضاء الإعلامي بات خاضعًا لرقابة مشددة، حيث استُخدمت قوانين فضفاضة لتجريم النقد والمعارضة، ما أدى إلى ملاحقة الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان. لافتاً إلى أن السلطات واصلت إغلاق وسائل إعلام مستقلة، ومصادرة معداتها، واعتقال العاملين فيها، مع تقييد وصول المواطنين إلى المعلومات.
وأشار التقرير إلى أن هذه السياسات حرمت المجتمع من النقاش الحر، وقوضت أحد أهم ضمانات الشفافية والمساءلة.
وبين التقرير أن المجتمع المدني ظل هدفًا رئيسيًا للقمع، حيث جرى إلغاء المئات من الجمعيات والمنظمات غير الحكومية بذريعة مخالفة التشريعات الجديدة الخاصة بالتسجيل والتمويل. موضحاً أن هذه التشريعات صُممت لتقييد العمل المدني المستقل، وإخضاع المنظمات لرقابة الدولة المباشرة.
كما أشار التقرير إلى أن المؤسسات الدينية لم تسلم من القيود، إذ فرضت السلطات إجراءات مشددة على أنشطتها، وشملت القيود برامج التعليم الديني والخيري، ما أدى إلى تقليص دورها في المجتمع. واعتبر التقرير أن استهداف المنظمات الدينية يعكس اتساع نطاق السيطرة الحكومية ليشمل كل فضاءات العمل المجتمعي.
الاعتقال التعسفي والتعذيب
وسلط التقرير الضوء على استمرار الاعتقال التعسفي بحق المعارضين السياسيين والنشطاء، مشيرًا إلى توثيق حالات اختفاء قسري وانتهاكات خطرة في مراكز الاحتجاز.
وأكد أن المحتجزين تعرضوا لأشكال متعددة من التعذيب وسوء المعاملة، ومنها الضرب والعزل الانفرادي لفترات طويلة، والحرمان من الرعاية الصحية الأساسية. موضحاً أن هذه الممارسات ليست استثناءً، بل تعكس سياسة منهجية لإسكات الأصوات المعارضة وترهيب المجتمع.
وأكد التقرير أن النساء ما زلن يواجهن أوضاعًا هشة، مع تزايد حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي، وضعف آليات الحماية القانونية والعملية لضحايا هذا النوع من الانتهاكات. كما تطرق إلى القيود المفروضة على عمل منظمات النساء، والتي كانت تشكل في السابق إحدى أدوات الدعم والمناصرة للضحايا.
وفي السياق نفسه، أشار التقرير إلى أن السكان الأصليين والجماعات المحلية عانوا من انتهاكات متصلة بمصادرة الأراضي وغياب التشاور في المشاريع التنموية، ما عرضهم لتهديدات خطرة لحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
الإفلات من العقاب
وأوضح التقرير أن غياب التحقيقات المستقلة والفعالة شكّل عقبة كبرى أمام ضمان العدالة للضحايا.
ولفت إلى أن السلطات امتنعت عن فتح ملفات الجرائم الجسيمة، بما في ذلك عمليات القتل غير المشروع والانتهاكات الواسعة ضد المتظاهرين والنشطاء، ما عزز ثقافة الإفلات من العقاب.
وأشار إلى أن هذا الغياب التام للمساءلة يشجع على تكرار الانتهاكات ويقوّض ثقة المواطنين في المؤسسات العامة.
إلى جانب الانتهاكات السياسية والحقوقية، تطرق التقرير إلى التحديات الاقتصادية والاجتماعية، مبرزًا أن السياسات القمعية أثرت سلبًا في معيشة المواطنين، فقد أسهمت القيود على المجتمع المدني والإعلام في خنق أي مبادرات محلية تهدف إلى مواجهة الفقر أو تحسين الخدمات العامة.
كما أدت سيطرة الدولة على الموارد إلى غياب الشفافية في إدارتها، ما فاقم من هشاشة الأوضاع الاقتصادية، وزاد من تبعية المواطنين للسلطات.
مراقبة الوضع في نيكاراغوا
واختتم المفوض السامي تقريره بالتأكيد على التزام مكتب المفوضية بمواصلة مراقبة الوضع في نيكاراغوا، وجمع وتوثيق الانتهاكات، وتقديم الدعم الفني للدول الأعضاء من أجل ضمان المساءلة.
كما شدد على ضرورة تحرك المجتمع الدولي بشكل منسق للضغط على السلطات النيكاراغوية لاحترام التزاماتها الدولية.
وتضمنت التوصيات دعوات واضحة إلى إنهاء سياسات الاعتقال التعسفي والإفراج الفوري عن المحتجزين بسبب آرائهم السياسية، السماح بإعادة فتح الأحزاب السياسية والمنظمات المدنية المستقلة.
ووقف القيود المفروضة على الإعلام، وضمان حرية الصحافة والتعبير. التحقيق في الجرائم والانتهاكات الجسيمة، وضمان محاسبة المسؤولين عنها أمام القضاء. وتمكين النساء والسكان الأصليين من حقوقهم الكاملة، وحمايتهم من أشكال التمييز والعنف كافة.