حين اهتزت الأرض.. أسر كاملة تفنى وناجون يبحثون عن الحياة في أفغانستان

حين اهتزت الأرض.. أسر كاملة تفنى وناجون يبحثون عن الحياة في أفغانستان
الدكتور عبد المتين ساهاك وفريقه التابع لمنظمة الصحة العالمية مع ناجيتين من الزلزال في أحد المستشفيات

لم يكن الليل هادئاً في جلال آباد الأفغانية، فقبل منتصف 31 أغسطس، أطاح زلزال بقوة 6 درجات بالدكتور عبد المتين ساهاك من فراشه، ثم دفعه إلى هاتفه ليتفقد الأخبار، في ثوانٍ معدودة، كان يعلم أن الكارثة ستضرب أقسى ما تضرب المناطق الجبلية النائية، حيث البيوت من طين وحجارة، والعائلات الممتدة تنام جميعها تحت سقف واحد.

ساهاك، وهو في أواخر الأربعينيات، هرع إلى منصة الطوارئ الطبية عبر واتساب ليتلقى سيل رسائل من المستشفيات في كونار، المنطقة الأكثر تضرراً، بحلول الساعة الأولى فجراً كان واضحاً أن حجم الكارثة أكبر من قدرة المستشفيات المحلية، ومع هطول المطر في تلك الليلة، ازدادت الاستجابة صعوبة، رغم ذلك، تحركت فرق الطوارئ بسرعة محملة بالإمدادات الطبية، لتصل إلى نورغال، مركز الزلزال وفق موقع أخبار الأمم المتحدة.

مشاهد من قلب المأساة

وصل فريق صغير بقيادة ساهاك إلى المنطقة بعد أن استعان بأطباء وممرضين محليين، المشهد كان صادماً: جثث في الشوارع، متطوعون يحفرون بأيديهم لإخراج الناجين، وصراخ يتردد بين الأنقاض.

أحد الناجين رجل ستيني يُدعى محمد، فقد 22 فرداً من عائلته، أما امرأة نُقلت إلى العيادة المحلية، فقد كانت تردد في أنين: "أين طفلي؟ أرجوكم أحضروا لي طفلي"، لكن طفلها كان قد رحل، كما رحلت عائلتها بأكملها.

وسط مجتمع تحكمه قيود صارمة على النساء، أزالت الكارثة الحواجز مؤقتاً. النساء، جنباً إلى جنب مع الرجال، انتشلن الضحايا وقدمن الرعاية، ومع ذلك، أشار ساهاك إلى أزمة أعمق تتمثل في نزوح الكوادر الطبية النسائية منذ عودة حركة طالبان للحكم في أفغانستان، وهو ما انعكس حتى على أسرته، إذ توقفت ابنته الكبرى عن دراسة الطب بعدما حُرمت النساء من التعليم العالي.

الخوف داخل بيته

بينما كان ساهاك يقود الاستجابة الميدانية، كانت أسرته في جلال آباد غارقة بالقلق، والدته المسنّة، التي عانقته طويلاً عند عودته، توسلت إليه ألا يخاطر بحياته، لكنه، مدفوعاً بآلاف الأرواح المحتاجة، عاد إلى عمله في صباح اليوم التالي، وبعد أن قصّ على عائلته حكاية أم وابنتها فقدتا 13 من أقاربهما، لم تعد والدته تلح عليه بالبقاء، بل قالت له بصوت حاسم: "اذهب إلى هناك وادعم الناس".

خلال الأيام الأولى وحدها، وصلت الحصيلة الرسمية إلى أكثر من 2200 قتيل، و3640 جريحاً، و6700 منزل متضرر، منظمة الصحة العالمية سلّمت أكثر من 46 طناً من الأدوية والإمدادات، وأطلقت فرق مراقبة صحية لمنع تفشي الأمراض وسط تدمير مصادر المياه، لكن المأساة كانت أكبر من كل الأرقام.

طالما كانت أفغانستان على خط الزلازل، لكنها اليوم تواجهها في ظل هشاشة إنسانية واقتصادية غير مسبوقة، فمنذ عودة طالبان عام 2021، تراجع النظام الصحي إلى أدنى مستوياته مع هجرة الأطباء، خصوصاً النساء، وفي المجتمعات الجبلية المعزولة، تصبح كل كارثة طبيعية تهديداً شاملاً للحياة، ومع ذلك، يواصل العاملون الصحيون، مثل الدكتور ساهاك وفريقه، خوض سباق يومي مع الزمن لإنقاذ الأرواح وسط الأنقاض والألم.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية