العنف يتصاعد والنزوح يتضخم.. غزة تواجه انهياراً إنسانياً والشارع الدولي يزداد إدانة

العنف يتصاعد والنزوح يتضخم.. غزة تواجه انهياراً إنسانياً والشارع الدولي يزداد إدانة
قصف إسرائيلي على غزة

يعيش قطاع غزة، خلال اليوم الـ710 منذ اندلاع القتال، مرحلة جديدة من التدمير والنزوح القسري مع تصاعد الضربات الجوية والمدفعية الإسرائيلية على أحياء مكتظة ومخيمات للنازحين، وزاد التوسع في استهداف الأبراج السكنية ومراكز الإيواء والمدارس موجات الفقدان والتهجير، وأجبر آلاف العائلات على الانتقال مراراً إلى جنوب القطاع أو البحث عن ملاذات شاغرة، في حين تظل خيارات الأمان محدودة إلى درجة تكاد تجعل من كل بقعة في أرض القطاع مكاناً غير آمن، وهذا التكثيف جاء تزامناً مع زيارات دبلوماسية إقليمية وعالمية، ما يعكس بعداً سياسياً ودبلوماسياً للأحداث لكنه لا يحد من واقع الجوع والمرض الذي يبتلي المدنيين وفق رويترز.

أسباب التصعيد 

أسباب التصعيد الراهن على قطاع غزة متعددة ومترابطة، فالموقف الرسمي الإسرائيلي يشرح عملياته برغبة معلنة في تحييد قدرات حركة حماس داخل المدينة والقطاع، وهو ما ترافق مع حشد قوات برية وتكثيف الضربات على ما يُعرَف بـالمعاقل المزعومة. هذه الديناميكية العسكرية تتقاطع مع منطق عملياتي يقضي بضغط السكان للخروج من مناطق محددة أو تحريك خطوط النزاع؛ وهو ما تراه بعض الجهات الحقوقية والإنسانية بمنزلة سياسة تفضي إلى نزوح واسع يصعب احتواؤه. وفي المقابل، تعكس هذه السياسات العسكرية معضلات قانونية وإنسانية تتعلق بتمييز المدنيين عن الأهداف العسكرية، وتوفير حماية كافية لمن لا طاقة لهم على الفرار وفق شبكة "إيه بي سي" الإخبارية الأمريكية.

تداعيات وأزمات إنسانية

التداعيات السريعة ظهرت في بنى الحياة اليومية، فقد تعرضت مراكز إيواء كانت تؤوي ألوف النازحين للدمار أو التشويش بفعل القصف، في حين أُبلغ عن ضرب مدارس تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين التي تُستخدم للجوء، ما يلقي بظلال قاتمة على إمكانية إيجاد مأوى آمن للمتضررين. كما وثقت منظمات حقوقية هجمات على مدارس ومرافق مدنية تصير معها الملاذات غير صالحة للاستعمال، ما يخلق حلقة مفرغة من التشرد والبحث عن مأوى مؤقت في ظروف صحية ومعيشية بالغة الصعوبة.

على صعيد الغذاء والتغذية تتصاعد علامات الانهيار الصحي؛ فمنظمة الصحة العالمية أكدت دخول أجزاء من قطاع غزة مراحل متقدمة من الجوع الحاد، مع تسجيل وفيات مرتبطة بسوء التغذية وصلت في تقاريرها إلى مئات الضحايا، منهم عدد كبير من الأطفال، ما يجعل أزمة الغذاء حالة طوارئ صحية لا تقل خطورة عن آثار القصف ذاته. وفي ظل هذا الواقع تبرز الحاجة الملحة لفتح قنوات آمنة لإدخال الغذاء والدواء وتوفير معالجة طبية فورية لمن هم في حالة حرجة. 

القطاعات الصحية تمزقها الأزمة، والمستشفيات المكلفة تعاني نقصاً حاداً في الأدوية والمستهلكات الطبية والوقود، وفي العديد من المرافق تراجعت القدرة على تقديم الرعاية الأساسية، ما يضاعف وفيات المدنيين والإصابات التي قد تتحول إلى عجز طويل الأمد، وتشير تحذيرات المنظمات الطبية إلى أن استمرار نقص المضادات الحيوية والعلاجات الأساسية يضع الطواقم العاملة في مواجهة معادلة إنسانية قاسية بين إنقاذ حياة اليوم وتأمين بقائها غداً. 

مطالب حقوقية

ردود الفعل الحقوقية الدولية والمحلية كانت سريعة وحادة؛ فقد وصفت منظمات مثل هيومن رايتس ووتش وأمنستي الإجراءات التي تصاحب أوامر الإخلاء الجماعي بأنها تنطوي على مخاطر انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي، وطالبت بوقف أي أوامر تُجبر السكان على مغادرة منازلهم من دون بدائل آمنة وتعويضات، وفي السياق ركزت نداءات الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة والعديد من الحكومات -على مستوى العالم- أيضاً على ضرورة وقف العنف واحترام مبدأ حماية المدنيين والسماح بدخول مساعدات إنسانية دون عراقيل، وهذه المواقف الحقوقية لا تقتصر على الإدانة بل تتضمن دعوات ملموسة لفتح تحقيقات مستقلة ومساءلة من يثبت تورطه في ارتكاب انتهاكات قد ترقى إلى جرائم حرب. 

الأبعاد القانونية والدولية للحالة تقرع أجراس تحذير حول الالتزامات المترتبة على كل طرفٍ في نزاع مسلح، فالقانون الدولي الإنساني يفرض على القوات المتحاربة التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية، وتُحرّم استخدام السكان درعاً بشرياً، وتوجب اتخاذ احتياطات معقولة لحماية السكان، في حال استمرار السلوكيات التي تُسجّل، من ضرب للأبراج السكنية والأحياء المأهولة ومراكز الإيواء، فإن خريطة المساءلة القانونية الدولية قد تتسع لتشمل تحقيقات من قبل هيئات دولية، وقضايا أمام محاكم أو هيئات معنية بمساءلة مرتكبي الانتهاكات، هذه الاحتمالات تحمل معها تبعات دبلوماسية وسياسية إقليمية ودولية يصعب استيعابها ما لم يقترن ذلك بخطوات فورية لوقف الانتهاكات. 

آثار إنسانية بعيدة المدى

الآثار الإنسانية بعيدة المدى ستكون عميقة حيث تتجسد في نزوح دائم لمئات الآلاف من غزة، وتدمير للقدرة الاقتصادية والاجتماعية للقطاع، وانعكاسات نفسية وتعليمية على جيل كامل من الأطفال، وعبء إعادة إعمار هائل يتطلب أموالاً وعقوداً ومراقبة دولية، وبحسب المنظمات الحقوقية فإن أي خطاب عن إعادة الإعمار قبل ضمان أمن وسلامة السكان وحقوقهم سيكون ناقصاً؛ لأن عملية إعادة الإعمار بلا ضمانات عادلة للحقوق قد تكرس أشكالاً من الظلم والتهجير.

أمام هذا الواقع تتقاطع مطالب الإغاثة والحقوق؛ فوقف النار وإيقاف أوامر الإخلاء الجماعي وفتح الممرات الإنسانية شروط أولية لإنقاذ الأرواح. وتفعيل آليات التحقيق المستقلة وحماية الشهود وضمان الوصول القانوني للضحايا إلى العدالة تعيد ثقة المجتمعات المتضررة ويمهد لمسارات مصالحة لاحقة، ويؤكد المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان أن الحل الدائم لا يمكن أن يأتي من عملية عسكرية فقط، بل من إطار سياسي شامل يضع الإنسان ومدى احترام حقوقه في صلب أي معالجة مستقبلية.

خلاصة القول: إن تصاعد الدمار والنزوح في غزة ليس أزمة مؤقتة يمكن احتواؤها بإجراءات فنية، بل تجربة إنسانية وسياسية وقانونية تختبر قدرة المجتمع الدولي على حماية المدنيين وتطبيق المعايير الدولية، وأي تأخر في الاستجابة سيحوّل مأساة مؤقتة إلى كارثة أجيال، وسيترك أثره على استقرار المنطقة لأمد طويل، والأمر يتطلب، الآن وليس غداً، وقفاً فورياً للعمليات القتالية في المناطق المأهولة، وتسهيلاً عاجلاً للوصول الإنساني، وفتح مسارات للمساءلة لوقف تكرار المآسي وفق مفوضية شؤون اللاجئين الأممية. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية