بين التقشف والحقوق.. وعود بترميم التقاعد والتعليم والصحة في الأرجنتين

بين التقشف والحقوق.. وعود بترميم التقاعد والتعليم والصحة في الأرجنتين
الرئيس الأرجنتيني بعد انتهاء فعالية انتخابية

تدخل الأرجنتين مرحلة دقيقة من تاريخها السياسي والاجتماعي مع إعلان الرئيس الليبرالي المتشدد خافيير ميلي ميزانية 2026 التي وعد من خلالها بدعم معاشات التقاعد والتعليم والصحة بعد عامين من تطبيق سياسات تقشفية قاسية أطلق عليها "العلاج بالصدمة". 

ورغم تراجع معدلات التضخم بشكل غير مسبوق، فإن الثمن الإنساني لهذه السياسات كان باهظاً، مع تفاقم البطالة وتدهور القدرة الشرائية واحتجاجات متصاعدة ضد تراجع الخدمات العامة، بحسب ما ذكرت وكالة “فرانس برس”، اليوم الثلاثاء. 

وبين خطاب رسمي يتحدث عن "تجاوز الأسوأ" وواقع شعبي مثقل بالأزمات، تبدو الأرجنتين أمام اختبار صعب بين ضرورات الاستقرار الاقتصادي وحقوق الإنسان الأساسية.

صدمة اقتصادية مؤلمة

فرض خافيير ميلي منذ وصوله إلى الحكم في ديسمبر 2023 سياسة مالية صارمة، تضمنت إلغاء أكثر من 53 ألف وظيفة في القطاع العام وتقليص تمويل قطاعات حيوية مثل الأشغال العامة، الصحة، والتعليم. 

ورغم أن هذه الخطوات أسهمت في خفض التضخم من أكثر من 200% إلى نحو 33% حالياً، فإن آثارها الاجتماعية كانت مدمرة، حيث ارتفعت معدلات الفقر إلى ما يزيد على 45% من السكان، في حين تراجعت القدرة الشرائية بشكل حاد. 

وأدت السياسات الجديدة إلى تفاقم الشعور بالهشاشة لدى ملايين الأرجنتينيين، خصوصاً المتقاعدين والعمال ذوي الدخل المحدود.

معاناة الفئات الهشة

عانى المتقاعدون الذين يشكلون نحو 17% من سكان البلاد، من تراجع خطِر في قيمة معاشاتهم أمام التضخم المتراكم خلال السنوات الماضية. 

كثيرون وجدوا أنفسهم عاجزين عن تغطية احتياجات أساسية مثل الغذاء والدواء، في حين ارتفعت أصوات المنظمات الحقوقية محذّرة من "إفقار منهجي" يستهدف الفئات الأكثر ضعفاً.

أما في مجال الصحة والتعليم، فقد انعكست سياسات التقشف في تراجع الخدمات، إغلاق بعض المراكز الصحية، ونقص الأدوية الأساسية، إضافة إلى تدهور البنية التحتية المدرسية وزيادة نسب التسرب التعليمي في المناطق الفقيرة.

وعود حكومية جديدة

في خطابه الأخير، أعلن الرئيس ميلي عن خطط لإعادة توجيه الإنفاق نحو القطاعات الاجتماعية الأكثر تضرراً. 

وتضمنت الوعود زيادة معاشات التقاعد بنسبة خمس نقاط مئوية فوق معدل التضخم بحلول 2026، إلى جانب رفع مخصصات الصحة بنسبة 17 نقطة والتعليم بـ8 نقاط. 

وجاءت هذه الوعود في سياق تهدئة الرأي العام، بعد احتجاجات واسعة وانتكاسة انتخابية في مقاطعة بوينس آيرس التي اعتُبرت مؤشراً على غضب شعبي متزايد، لكن غياب الأرقام التفصيلية في الميزانية وعدم تقديم جدول زمني واضح يثيران شكوك المعارضة والنقابات حول جدية التنفيذ.

تحديات إنسانية كبرى

يشدد خبراء اقتصاديون وحقوقيون على أن النجاح في خفض التضخم لا يكفي إذا ترافق مع تقويض الحقوق الاجتماعية الأساسية، فالتجارب السابقة في الأرجنتين، خصوصاً في تسعينيات القرن الماضي، أظهرت أن السياسات النيوليبرالية الصارمة قد تحقق استقراراً مالياً مؤقتاً، لكنها تخلّف فجوة اجتماعية عميقة يصعب ترميمها. 

واليوم، يواجه ميلي اختباراً مزدوجاً: إقناع الأسواق بجدية إصلاحاته الاقتصادية من جهة، وضمان ألا يتحول الاستقرار المالي إلى ذريعة لتقليص حقوق ملايين المواطنين في الصحة والتعليم والعيش الكريم من جهة أخرى.

مع اقتراب انتخابات منتصف الولاية التشريعية في أكتوبر المقبل، تقف الأرجنتين عند مفترق طرق، إما أن تنجح الحكومة في تحقيق توازن بين ضبط العجز المالي وحماية الحقوق الاجتماعية، أو أن تواجه موجة جديدة من الاحتجاجات قد تقوض الاستقرار السياسي. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية