مقاييس حقوقية ودستورية.. مؤشرات مقلقة على مشروع قانون حق الوصول إلى المعلومة العراقي

مقاييس حقوقية ودستورية.. مؤشرات مقلقة على مشروع قانون حق الوصول إلى المعلومة العراقي
البرلمان العراقي- أرشيف

يدخل مشروع قانون حق الحصول على المعلومة في العراق منعطفاً حاسماً بينما يستعد البرلمان للتصويت عليه اليوم الأربعاء، وسط تحذيرات من منظمات حقوقية محلية ودولية من أن صياغته الحالية تتضمن مواد قد تقوّض جوهر الحق وتفتح ثغرات واسعة للتستر على المعلومات ذات الأهمية العامة، والمخاوف ليست تقنية فحسب؛ بل تدور حول قدرة القانون على تعزيز الشفافية والمساءلة في دولة لا تزال ترزح تحت وطأة الفساد وضعف مؤسسات الدولة. 

الحق في الوصول إلى المعلومة ركيزة أساسية لحقوق الإنسان والحكم الرشيد، ويعمل كأداة لمكافحة الفساد وتعزيز مشاركة المواطنين في صنع القرار، وتؤكد المنظمات الحقوقية الدولية أن سن قوانين شاملة وفعالة لحماية هذا الحق يسهم في تقوية مؤسسات المحاسبة العامة ورفع مستوى الثقة بين السلطة والمجتمع المدني، وعلى هذا الأساس، فإن أي تشريع وطني يجب أن يلتزم بالمعايير الدولية التي تشدد على مبدأ الكشف الأقصى والاستثناء المحدود. 

المؤشرات المقلقة في نص المسودة العراقية

المراقبون الحقوقيون، وعلى رأسهم المرصد العراقي لحقوق الإنسان، حددوا عدة نقاط حرجة في مسودة القانون التي ستعرض على التصويت في البرلمان العراقي، وفق موقع kirkuknow.com"" أولها تعريف ضيّق للمعلومة يقتصر على أشكال ووثائق محددة، ما قد يُقصي مراسلات إلكترونية أو توجيهات داخلية أو وثائق غير مؤرشفة، وهي فئات مهمة في زمن الرقمنة والإدارة الإلكترونية، وثانياً، نصوص الاستثناءات الواسعة المتعلقة بالأمن والدفاع والمناقصات قد تُستخدم لتبرير رفض الإفصاح عن معلومات متصلة بالإنفاق العام أو ملفات الفساد عند غياب معايير صارمة للضرورة والملاءمة، وثالثاً، آليات الطعن غير واضحة والجهة المشرفة على تطبيق القانون تبدو غير مستقلة كفاية، مع غياب مدد زمنية ملزمة للاستجابة للطلبات، ما يضعف ضمانات الإنصاف، وأخيراً، بنود العقوبات بصيغتها الحالية قد تُستغل لمعاقبة الصحفيين أو المدافعين عن حقوق الإنسان بدلاً من حماية الاستخدام المشروع للمعلومات. 

المعايير الدولية وما يقتضيه التعديل

المعايير الدولية، بما في ذلك المبادئ الصادرة عن منظمات متخصصة في حرية التعبير، تؤكد أن القيود على الوصول إلى المعلومات يجب أن تكون استثنائية ومحددة وضرورية، وأن يشمل الحق "كل ما تنتجه أو تحتفظ به السلطات العامة مهما كان شكله"، كما توصي هذه المعايير بوجود هيئة مستقلة للرقابة على تنفيذ القانون تكون لها صلاحيات حاسمة وقرارات ملزمة، وإجراءات طعن إدارية وقضائية سريعة وفعالة، وأي قانون وطني يتعارض مع هذه الركائز سيبقى مفتوحاً أمام انتقادات النقض القضائي أو مراجعات جهة رقابية دولية.

تداعيات تطبيق قانون معيبة

إذا أقرّ نص ضعيف، فالعواقب قد تتجاوز المسألة التشريعية لتطول مشهد الحريات ونجاعة مكافحة الفساد، واعتماد تعريف ضيق واستثناءات فضفاضة سيشرعن ثقافة السرية ويُصعّب عمل الصحافة الاستقصائية والمراقبة البرلمانية، ما يؤدي إلى تفاقم الإفلات من العقاب في ملفات الأموال العامة والعقود الحكومية، كما أن آليات طعن غير فعالة تعني أن الممارسات القائمة لن تتعرض إلى رقابة فعلية، بينما يواجه المواطنون عراقيل قانونية وإجرائية تحول دون الوصول إلى معلومات تدافع عن حقوقهم الأساسية. 

ردود فعل المنظمات المحلية والدولية

منظمات محلية مثل المرصد العراقي طالبت بمراجعة شاملة وصياغة تشاركية تضم المجتمع المدني ونقابات الصحفيين والأكاديميين في العراق، بينما رأت منظمات دولية مثل ""ARTICLE 19 أن المشروع يحتاج إلى تعديلات جوهرية لضمان توافقه مع المعايير العالمية، كما دعت مجموعات حقوقية أخرى البرلمان إلى اعتماد مبدأ الشفافية كقاعدة واستثناءات محصورة بوضوح، وإرساء هيئة مستقلة تعمل بمعايير قضائية ومهنية، وهذه الخطابات تعكس قلقاً مشتركاً من أن القانون إذا أُقرّ على حالته سيصبح وسيلة لإضفاء شرعية على السرية المؤسسية. 

خلفيات تاريخية وتجارب مقارنة

تجارب دولية أظهرت أن وجود قانون وصول إلى المعلومات لا يكفي وحده؛ فتنفيذه يتطلب مؤسسات قادرة وتدريباً إدارياً وثقافة مؤسسية للشفافية، فحيثما نجحت السياسات كانت مصحوبة بآليات واضحة للرد السريع على الطلبات، وحماية لصناع الرأي من الانتقام، ونظم لمراقبة تنفيذها، بالمقابل، كثير من القوانين ضعيفة التطبيق بسبب استثناءات واسعة أو غياب موارد مستقلة للهيئات الرقابية، وهو ما ظهر في تقارير تقييم دول عديدة، بحسب منظمة "اليونسكو".

مقترحات عملية قابلة للتطبيق

القانون العراقي سيكسب شرعيته وفاعليته إذا نُفّذت توصيات عملية: توسيع تعريف المعلومة ليشمل كل أشكال البيانات والاتصالات؛ وتقنين الاستثناءات بعبارات دقيقة تعتمد ضرورة فورية ومخاطر محددة مع آليات رقابة قضائية؛ وإنشاء جهة مستقلة للرقابة تتمتع بصلاحية تنفيذية وميزانية مستقلة؛ وضمان مدد زمنية ملزمة للرد وآليات طعن إدارية وقضائية سريعة، كما يجب إعادة صياغة أحكام العقوبات لحصرها في حالات إساءة استخدام متعمدة وثبوت ضرر فعلي، مع حماية خاصة للصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، وإشراك المجتمع المدني في الصياغة النهائية سيمنح القانون شرعية عملية ويزيد فرص تنفيذه. 

مشروع قانون حق الحصول على المعلومة يمثل فرصة لتعزيز الشفافية والمساءلة في العراق، لكنه قد يتحول إلى أداة قيد إن لم تُعالج ثغراته الجوهرية، أمام البرلمان اليوم خيار تاريخي إما أن يمرّره بصيغة تضمن الحق وتخدم مكافحة الفساد وبناء مؤسسات قوية، وإما أن يمرّره بشكل ناقص يشرّع سرية مؤسساتية ويضع العراق في صف دول تتراجع فيها الحريات، والمشهد الدولي يزكي أهمية القانون المتوافق مع المعايير، والمجتمع المدني ينتظر نتائج عملية ومحكومة بالشفافية والعدالة. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية