هويات مهمشة وانتهاكات.. تقرير أممي يرصد معاناة حاملي صفات الجنسين

هويات مهمشة وانتهاكات.. تقرير أممي يرصد معاناة حاملي صفات الجنسين
وقفة داعمة لحاملي صفات الجنسين- أرشيف

عقد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة دورته الـ60 في جنيف، والتي تتواصل حتى 8 أكتوبر 2025، وفي هذا السياق، قدمت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان تقريرًا شاملًا إلى المجلس حول أوضاع الأشخاص الحاملين لصفات الجنسين، وهم الفئة التي تعيش بين ثنائية التصنيفات التقليدية للذكر والأنثى، وغالبًا ما يواجهون أشكالًا متعددة من التمييز والعنف.

وبحسب التقرير الذي اطلع «جسور بوست» على نسخة منه، فإن المفوضية رصدت انتهاكات خطيرة تتراوح بين قتل المواليد الجدد والتدخلات الطبية الجراحية غير الضرورية، مرورًا بالعنف الأسري والمجتمعي، وصولًا إلى التمييز القانوني والمؤسسي الذي يحرم هذه الفئة من حقوقها الأساسية

وأكدت المفوضية أن ما يتعرض له هؤلاء يشكل أزمة حقوقية صامتة تتطلب معالجة عاجلة في إطار القانون الدولي.

قتل المواليد.. جريمة

وسلط التقرير الضوء على أن بعض الدول ما زالت تشهد حالات قتل للمواليد الجدد الذين يولدون بصفات جنسية مزدوجة أو غير تقليدية. 

وأكدت المفوضية أن هذه الممارسات ليست فقط انتهاكًا لحق الحياة، بل تكشف عن وصمة اجتماعية متجذرة، حيث يُنظر إلى هذه المواليد باعتبارهم "خطأً" يجب التخلص منه.

وأشار التقرير إلى أن غياب القوانين التي تجرم هذه الممارسات يفتح الباب أمام استمرارها، في ظل صمت رسمي وتهميش اجتماعي يفاقمان من هشاشة هذه الفئة منذ لحظة الميلاد.

أحد أبرز الانتهاكات التي ركز عليها التقرير هو التدخلات الطبية غير الضرورية، حيث يخضع الأطفال الحاملون لصفات الجنسين لعمليات جراحية لتغيير صفاتهم الجسدية، غالبًا في سن مبكرة ودون موافقة مستنيرة منهم.

وأكدت المفوضية أن هذه الإجراءات، التي تُسوغ عادة بذريعة التطبيع، تخلف آثارًا جسدية ونفسية طويلة الأمد، وتشكل انتهاكًا صارخًا لحقوق السلامة الجسدية والاستقلالية الشخصية.

وأضاف التقرير أن هذه الممارسات لا تستند إلى ضرورة طبية حقيقية، بل إلى ضغوط اجتماعية وثقافية تهدف إلى فرض الثنائية التقليدية للجنسين.

عنف متعدد الأوجه

وأبرز التقرير أن حاملي صفات الجنسين يواجهون مستويات مرتفعة من العنف الجسدي والنفسي، سواء داخل الأسرة أو في المجتمع الأوسع. وأشار إلى حالات موثقة من التنمر في المدارس، والاعتداءات في أماكن العمل، والاستبعاد من الأنشطة المجتمعية.

كما كشف التقرير عن وجود تمييز مؤسسي وقانوني يحرم هذه الفئة من فرص متكافئة في التعليم والرعاية الصحية والعمل، فضلًا عن صعوبة الحصول على وثائق هوية تعكس واقعهم البيولوجي، الأمر الذي يخلق سلسلة من الانتهاكات المتراكمة التي تؤثر على حياتهم اليومية.

ولفتت المفوضية إلى أن الوصول إلى العدالة يمثل تحديًا رئيسيًا لحاملي صفات الجنسين. إذ غالبًا ما يواجهون عراقيل متعددة، تبدأ من عدم اعتراف الأنظمة القانونية بخصوصيتهم، وصولًا إلى غياب آليات فعالة للإنصاف.

وأشار التقرير إلى أن ضحايا الانتهاكات، سواء كانوا من الأطفال أو البالغين، يترددون في اللجوء إلى القضاء بسبب الخوف من الوصمة أو الانتقام، كما أن بعض الأجهزة الأمنية والقضائية لا تملك التدريب الكافي للتعامل مع هذه الحالات بإنصاف، ما يؤدي إلى ثقافة إفلات من العقاب تشجع على استمرار الانتهاكات.

أعراف اجتماعية وثقافية

وأكد التقرير أن الانتهاكات ضد حاملي صفات الجنسين متجذرة في أعراف اجتماعية وثقافية ترى في الاختلاف تهديدًا للثنائية التقليدية للجنس، كما أن غياب البيانات والإحصاءات الرسمية يسهم في تهميش هذه الفئة، إذ يجعلهم "غير مرئيين" في السياسات العامة.

وشددت المفوضية على أن معالجة هذه الأسباب تتطلب تغييرًا ثقافيًا طويل المدى، يبدأ من الاعتراف بوجودهم ويمر عبر سياسات تعليمية وصحية شاملة، وصولًا إلى تعزيز الوعي المجتمعي بحقوق الإنسان للجميع دون استثناء.

رغم الصورة القاتمة، رصد التقرير بعض الممارسات الواعدة التي اعتمدتها دول ومؤسسات، فقد اتخذت بعض الدول خطوات نحو منع التدخلات الطبية القسرية، عبر تشريعات تحظر العمليات غير الضرورية على الأطفال حتى بلوغهم سنا تسمح لهم بالموافقة المستنيرة.

وسعت دول أخرى إلى تعزيز الحماية القانونية ضد التمييز، وتوفير سبل لجوء فعالة إلى العدالة. 

وأشار التقرير إلى أهمية التعاون مع منظمات المجتمع المدني التي يقودها أشخاص حاملون لصفات الجنسين أنفسهم، بوصفهم صوتًا أساسيًا في صياغة السياسات الداعمة.

واختتم التقرير بجملة من التوصيات الموجهة إلى الدول الأعضاء، أبرزها إقرار تشريعات تجرم قتل المواليد الجدد وتحظر التدخلات الطبية غير الضرورية، وضمان الحماية من العنف والتمييز عبر سياسات واضحة تشمل التعليم والعمل والرعاية الصحية.

بالإضافة إلى تعزيز الوصول إلى العدالة من خلال تدريب القضاة وأجهزة إنفاذ القانون، وضمان توفير آليات إنصاف فعالة للضحايا. وجمع بيانات دقيقة حول أوضاع حاملي صفات الجنسين، لتضمينهم في الخطط الوطنية والإحصاءات الرسمية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية