تمييز وتجاهل.. تحديات تعرقل حصول الشعوب الأصلية على الحقوق الأساسية
تمييز وتجاهل.. تحديات تعرقل حصول الشعوب الأصلية على الحقوق الأساسية
عقد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة دورته الـ60، التي تتواصل فعالياتها في جنيف حتى 8 أكتوبر 2025، وفي هذا السياق، قدم المقرر الخاص المعني بحقوق الشعوب الأصلية، ألبرت ك. باروم، تقريره الدوري إلى المجلس، متناولًا فيه التحديات الراهنة التي تواجه مجتمعات الشعوب الأصلية في مختلف أنحاء العالم، إلى جانب الفرص المتاحة لتعزيز حقوقهم وحمايتهم من التمييز والتهميش.
وبحسب التقرير الذي اطلع «جسور بوست» على نسخة منه، فإن الشعوب الأصلية ما زالت تعاني من أوضاع هشة تتسم بالحرمان من الحقوق الأساسية، والافتقار إلى العدالة الاجتماعية والاقتصادية، في ظل استمرار سياسات التمييز والتجاهل، إلى جانب التحديات البيئية التي تهدد وجودها.
وشدد التقرير على أن حماية حقوق هذه الفئات ليست خيارًا سياسيًا، بل هي التزام قانوني وأخلاقي على المجتمع الدولي والدول الأعضاء.
سياق تاريخي
أوضح التقرير أن قضية الشعوب الأصلية لا يمكن فهمها بمعزل عن السياق التاريخي الممتد لقرون، حيث تعرضت هذه المجتمعات لعمليات استعمار ونهب منظم لمواردها، ما أسفر عن تهميشها اقتصاديًا وسياسيًا.
وعلى الرغم من التقدم المحرز منذ اعتماد إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية عام 2007، فإن الفجوة بين النصوص القانونية والواقع الميداني لا تزال كبيرة.
وأكد المقرر الخاص أن استمرار هذه الفجوة يعرقل تمتع الشعوب الأصلية بحقوقها كاملة، ويقوض فرصها في المشاركة الفعّالة في عمليات صنع القرار التي تؤثر بشكل مباشر على حياتها وأراضيها.
وسلط التقرير الضوء على أن أحد أكبر التحديات يتمثل في النزاعات حول الأراضي والموارد الطبيعية.
وفي العديد من الدول، لا تزال الحكومات والشركات الكبرى تسعى لاستغلال الموارد الكامنة في أراضي الشعوب الأصلية دون الحصول على موافقتها الحرة والمسبقة والمستنيرة، ما أدى إلى تهجير قسري لمجتمعات بأكملها، وتدمير بيئاتها الطبيعية، وفقدان مصادر عيشها التقليدية.
وأشار التقرير إلى أن هذه الانتهاكات ليست فقط خرقًا لحقوق الإنسان، إنما أيضًا تهديد مباشر للاستدامة البيئية العالمية، حيث تلعب الشعوب الأصلية دورًا أساسيًا في حماية النظم البيئية والتنوع البيولوجي.
العنف والتمييز
كما أوضح المقرر الخاص أن الشعوب الأصلية غالبًا ما تكون ضحية للعنف الممنهج، سواء من قبل قوات أمن الدولة أو الجماعات المسلحة أو الشركات الخاصة.
ويشمل هذا العنف الاعتداءات الجسدية، التهديدات، والقتل خارج نطاق القانون، خاصة ضد المدافعين عن حقوق الإنسان من أبناء هذه الشعوب.
وأضاف أن التمييز متجذر في النظم التعليمية والصحية والقضائية، ما يجعل أفراد الشعوب الأصلية أكثر عرضة للفقر، ويحد من فرصهم في الحصول على خدمات أساسية أو المشاركة في الحياة العامة.
ومن أبرز القضايا التي تناولها التقرير العلاقة المعقدة بين التغير المناخي وحقوق الشعوب الأصلية، فهذه المجتمعات، التي تعيش غالبًا في مناطق معرضة للكوارث الطبيعية، تتحمل العبء الأكبر من آثار ارتفاع درجات الحرارة، وذوبان الجليد، وازدياد الظواهر المناخية المتطرفة.
ولفت المقرر الخاص إلى أن التغير المناخي لا يمثل فقط تهديدًا بيئيًا، بل هو تهديد وجودي للشعوب الأصلية، إذ يهدد أراضيها التقليدية ويغير أنماط حياتها المرتبطة بالزراعة والصيد والرعي.
المشاركة السياسية والتمثيل
وشدد التقرير على أن غياب التمثيل السياسي للشعوب الأصلية في مؤسسات صنع القرار هو أحد أبرز أوجه التهميش المستمرة.
ورغم وجود بعض المبادرات الإيجابية التي سمحت بتمثيل رمزي، فإنها تظل غير كافية لمعالجة الاختلالات البنيوية.
وأكد المقرر الخاص أن المشاركة الفعالة تعني إشراك الشعوب الأصلية في جميع مراحل صنع القرار، وليس فقط استشارتها شكليًا بعد اتخاذ القرارات.
وأشار التقرير إلى أن العديد من الشعوب الأصلية ما زالت تنتظر إنصافًا حقيقيًا عن الجرائم والانتهاكات التي تعرضت لها عبر التاريخ. ورغم وجود بعض التجارب في مجال العدالة الانتقالية، إلا أن غياب الإرادة السياسية يعوق تحقيق العدالة الكاملة.
وأوضح المقرر الخاص أن الاعتراف بالجرائم الماضية وتقديم التعويضات وضمان عدم تكرار الانتهاكات تعد خطوات أساسية لتحقيق مصالحة حقيقية بين الشعوب الأصلية والدول.
أمثلة وتجارب وطنية
وتوقف التقرير عند بعض التجارب الوطنية التي تبنت سياسات لدعم حقوق الشعوب الأصلية، مثل تخصيص مقاعد برلمانية أو وضع برامج للتعليم بلغاتهم الأصلية. ومع ذلك، أكد أن هذه المبادرات تبقى جزئية ولا تعالج التحديات الجذرية المرتبطة بالأرض والموارد والتمثيل السياسي.
وأنهى المقرر الخاص تقريره بجملة من التوصيات التي شدد فيها على ضرورة الانتقال من الأقوال إلى الأفعال
وأوضح أن الوقت قد حان ليتحمل المجتمع الدولي والدول الأعضاء مسؤولياتهم تجاه الشعوب الأصلية عبر سياسات ملموسة تضمن العدالة والمساواة.
ودعا الحكومات إلى وقف جميع أشكال التمييز والعنف، وضمان مشاركة الشعوب الأصلية في صنع القرارات الوطنية والدولية، كما شدد على أهمية الاعتراف القانوني بأراضيها ومواردها، وتبني سياسات لحمايتها من التدهور البيئي والاستغلال الجائر.
وأكد أن التصدي للتغير المناخي يجب أن يكون من خلال شراكة حقيقية مع الشعوب الأصلية، تستفيد من معارفها التقليدية وخبراتها في حماية الطبيعة.
واعتبر المقرر الخاص أن تحقيق العدالة التاريخية لهذه المجتمعات يتطلب تفعيل آليات المساءلة والعدالة الانتقالية، بما في ذلك الاعتراف بالانتهاكات الماضية وتقديم التعويضات المناسبة للضحايا وأحفادهم.