الاحتجاز التعسفي.. أنماط متكررة من الانتهاكات وتوصيات لتعزيز المساءلة

الاحتجاز التعسفي.. أنماط متكررة من الانتهاكات وتوصيات لتعزيز المساءلة
مجلس حقوق الإنسان- أرشيف

عقد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة دورته الـ60، والتي تتواصل فعالياتها في جنيف حتى 8 أكتوبر المقبل. وفي هذا السياق، قدّم الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي تقريره السنوي، مسلطًا الضوء على ممارسات مقلقة تتعلق بحرمان الأفراد من حريتهم بشكل غير قانوني أو تعسفي، في وقت يشدد فيه المجتمع الدولي على أن الحق في الحرية الشخصية لا يحتمل أي انتقاص.

وبحسب التقرير الذي اطلع «جسور بوست» على نسخة منه، فإن الفريق العامل واصل خلال العام رصد حالات فردية وجماعية من الاحتجاز، وفتح قنوات تواصل مع الحكومات، إلى جانب دراسة الإطار القانوني الدولي المنظم للحرية والعدالة.

ويغطي التقرير الفترة الأخيرة التي شهدت تفاقمًا في أنماط معينة من الانتهاكات، خصوصًا في سياق الأزمات الأمنية والصراعات المسلحة والسياسات المقيدة للحريات.

أنماط متكررة من الانتهاكات

وأكد الفريق العامل أن حالات الحرمان من الحرية تتكرر في أشكال عدة، حيث يُعتقل الأفراد دون صدور مذكرات قضائية، أو بموجب قوانين فضفاضة تُجرم ممارسة الحقوق الأساسية مثل حرية التعبير والتجمع السلمي.

وأشار التقرير إلى أن الحبس المطول قبل المحاكمة من دون مراجعة قضائية مستقلة يمثل أحد أبرز أوجه الاحتجاز التعسفي، إذ يجد مئات المحتجزين أنفسهم خلف القضبان لأشهر وربما لسنوات دون محاكمة عادلة.

وتناول التقرير بقلق خاص المحاكمات التي تفتقر إلى الشفافية والضمانات الإجرائية، موضحًا أن غياب المعايير الأساسية للعدالة، مثل الحق في الدفاع والاستعانة بمحام مستقل، يجعل من نتائج هذه المحاكمات باطلة ويحولها إلى أداة لإسكات الأصوات المعارضة.

وأضاف أن بعض السلطات تلجأ إلى توجيه اتهامات مبهمة أو استناد المحاكمات إلى اعترافات انتُزعت تحت التعذيب أو التهديد، وهو ما يشكل خرقًا صارخًا لالتزامات الدول بموجب القانون الدولي.

السياق العالمي للأزمة

ولفت التقرير إلى أن ظاهرة الاحتجاز التعسفي ليست مقصورة على منطقة جغرافية معينة، بل تتوزع عبر دول عدة، سواء في سياق نزاعات مسلحة أو في أوضاع داخلية تتسم بالقمع السياسي.

وأوضح الفريق العامل أن بعض الحكومات تستغل القوانين الاستثنائية المرتبطة بالأمن القومي أو مكافحة الإرهاب لتبرير الاحتجاز المطول من دون ضمانات، وهو ما يفتح الباب واسعًا أمام انتهاكات خطيرة.

وأشار إلى أن الأزمات الإنسانية والنزوح الجماعي أسهما بدورهما في تفاقم المشكلة، إذ يتم احتجاز اللاجئين والمهاجرين في ظروف غير إنسانية ولسنوات طويلة من دون مراجعة قضائية أو مبررات قانونية كافية.

وأكد أن هذا الوضع يثير مخاوف جدية بشأن التمييز، حيث تُطبق القوانين بصرامة على فئات ضعيفة، بينما يُسمح لفئات أخرى بالتمتع بقدر أكبر من الحرية.

وشدد الفريق العامل في تقريره على أن الدول تتحمل المسؤولية الأساسية في ضمان أن تكون أي قيود على الحرية متسقة مع القانون الدولي، وأن تُمارس وفق معايير العدالة والضرورة والتناسب.

وأوضح أن الاحتجاز يجب أن يظل خيارًا استثنائيًا لا يُلجأ إليه إلا في أضيق الحدود، وأن البدائل مثل التدابير المجتمعية أو الرقابة القضائية يمكن أن تحقق الغرض دون المساس بالحرية الأساسية للأفراد.

كما حذر من أن غياب المساءلة يشجع على تكرار الانتهاكات، إذ أن استمرار احتجاز الأفراد من دون سند قانوني أو مراجعة قضائية يخلق مناخًا من الإفلات من العقاب، ويفرض على الضحايا وأسرهم أعباء نفسية واجتماعية جسيمة.

التزامات حقوقية دولية

وأكد التقرير أن المعايير الدولية، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، تنص بوضوح على أن الحرية حق أصيل لا يجوز انتهاكه تعسفًا.

كما أشار الفريق العامل إلى أن المراجعة الدورية الشاملة التي يخضع لها كل بلد تتيح للدول فرصة لمراجعة تشريعاتها وممارساتها على ضوء هذه الالتزامات.

ولفت إلى أن العديد من الدول ما زالت تتلكأ في تعديل قوانينها أو مواءمتها مع المعايير الدولية، ما يترك ثغرات قانونية تسمح بوقوع الاحتجاز التعسفي.

ودعا إلى تحرك عاجل لسد هذه الفجوات، وتبني إصلاحات قضائية وتشريعية شاملة تعزز ضمانات المحاكمة العادلة وتضمن حق الأفراد في الحرية.

وأفرد التقرير مساحة خاصة لوضع الفئات الهشة، من بينهم المدافعون عن حقوق الإنسان والصحفيون والمعارضون السياسيون، الذين يتعرضون للاستهداف عبر الاحتجاز التعسفي.

وأوضح أن هذه الفئات تواجه ظروفًا أقسى في الاحتجاز، بما يشمل الحرمان من الاتصال بالعالم الخارجي، ومنع الزيارات العائلية أو التواصل مع محامين.

وأشار إلى أن النساء والفتيات لسن بمنأى عن هذه الانتهاكات، إذ يتم احتجازهن أحيانًا في أماكن غير مهيأة، مع تعرضهن لانتهاكات إضافية تتعلق بالكرامة الجسدية والنفسية، كما أن الأطفال يتعرضون بدورهم للاحتجاز التعسفي في بعض السياقات، في خرق صريح لاتفاقية حقوق الطفل التي تحظر مثل هذه الممارسات إلا كملاذ أخير ولأقصر فترة ممكنة.

الحاجة إلى إصلاح عاجل

وخلص التقرير إلى أن مواجهة ظاهرة الاحتجاز التعسفي تتطلب إصلاحات متكاملة تشمل تعزيز استقلال القضاء، وتوفير آليات شكاوى فعالة للمحتجزين، وضمان رقابة مؤسسية على أماكن الاحتجاز.

وأكد أن على الدول أن تعمل على نشر ثقافة حقوق الإنسان بين أجهزتها الأمنية والقضائية، وتطوير قدراتها على التحقيق في الانتهاكات ومحاسبة المسؤولين عنها.

وفي ختام التقرير، أوصى الفريق العامل بضرورة التزام الدول بإطلاق سراح جميع المحتجزين تعسفيًا فورًا، وتعويضهم بشكل عادل، مع اتخاذ إجراءات وقائية تحول دون تكرار مثل هذه الممارسات، كما شدد على أهمية التعاون الدولي وتبادل الخبرات لتعزيز منظومة الحماية العالمية ضد الحرمان التعسفي من الحرية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية