المرتزقة في مرمى الاتهامات الأممية.. انتهاكات تقوض حق الشعوب في تقرير مصيرها
المرتزقة في مرمى الاتهامات الأممية.. انتهاكات تقوض حق الشعوب في تقرير مصيرها
عقد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة دورته الـ60 في جنيف، والتي تتواصل فعالياتها حتى 8 أكتوبر 2025. وفي هذا السياق قدم الفريق العامل المعني باستخدام المرتزقة تقريرًا مطولًا حول التهديدات الناشئة والمتنامية المرتبطة باستخدام المرتزقة والشركات العسكرية والأمنية الخاصة، وما يترتب عليها من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وإعاقة ممارسة الشعوب لحقها غير القابل للتصرف في تقرير مصيرها.
التقرير، الذي اطلع «جسور بوست» على نسخة منه، يكشف عن حجم التحديات التي يفرضها تصاعد أنشطة المرتزقة في مناطق النزاعات، ويوثق صلاتها المباشرة بانتهاكات القانون الدولي الإنساني، وانتهاكات مروعة تطول المدنيين والفئات الأضعف.
المرتزقة وتفاقم النزاعات
وأشار الفريق العامل إلى أن المرتزقة أصبحوا عنصرًا مركزيًا في النزاعات المسلحة الحديثة، حيث يجري توظيفهم بشكل متزايد من قبل حكومات أو جهات فاعلة غير حكومية لتنفيذ عمليات عسكرية وأمنية في الداخل والخارج.
وأوضح أن هذا الاستخدام لم يقتصر على الصراعات التقليدية، بل امتد إلى أنشطة مكافحة الإرهاب وحماية الموارد الطبيعية وتأمين الحدود، وهو ما يعمّق من الطابع التجاري للنزاعات المسلحة.
ووفقًا للتقرير، فإن وجود المرتزقة يسهم في تأجيج النزاعات بدلًا من حلها، ويؤدي إلى زيادة مستويات العنف، ويعزز من احتمالات ارتكاب جرائم جسيمة بحق السكان المدنيين.
كما أوضح أن طبيعة عقود المرتزقة، المبنية على الربح المالي، تجعلهم يعملون خارج أي التزامات سياسية أو قانونية، ما يفاقم من انعدام المحاسبة.
انتهاكات جسيمة بحق المدنيين
ووثق التقرير أنماطًا متعددة من الانتهاكات المرتبطة بأنشطة المرتزقة، أبرزها القتل غير المشروع، والاختفاء القسري، والتعذيب، والعنف الجنسي، فضلًا عن التهجير القسري للسكان المحليين.
وأكد الفريق العامل أن المدنيين غالبًا ما يدفعون الثمن الأكبر نتيجة لهذه الممارسات، إذ يُستهدفون بشكل مباشر أو غير مباشر في العمليات التي ينفذها المرتزقة.
كما أشار إلى أن المرتزقة متورطون في استغلال الموارد الطبيعية ونهب الثروات، سواء عبر المشاركة في شبكات تهريب المعادن والنفط، أو عبر فرض السيطرة العسكرية على مناطق غنية بالموارد.
واعتبر أن هذه الممارسات تُضعف من قدرة الدول على إدارة مواردها بشكل سيادي، وتُكرس حرمان الشعوب من حقها في الاستفادة العادلة منها.
وسلط التقرير الضوء على العلاقة بين أنشطة المرتزقة وتقويض حق الشعوب في تقرير مصيرها، وهو حق منصوص عليه بوضوح في ميثاق الأمم المتحدة والعهدين الدوليين لحقوق الإنسان.
وأوضح أن المرتزقة يُستخدمون بشكل متكرر في سياقات الاحتلال أو النزاعات الداخلية لتثبيت أنظمة غير شرعية أو لفرض إرادات خارجية على شعوب بعينها.
وأكد الفريق العامل أن وجود المرتزقة في هذه السياقات يؤدي إلى إطالة أمد النزاعات، ويعرقل جهود التسوية السلمية، ويمنع المجتمعات من ممارسة حقها في تقرير مستقبلها بحرية.
كما أوضح أن الدعم الذي توفره بعض الدول أو الجهات الفاعلة الخاصة للمرتزقة يُعد تدخلًا مباشرًا في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، في انتهاك واضح لمبدأ السيادة وعدم التدخل.
شركات عسكرية خارج الرقابة
وأبرز التقرير أن جزءًا كبيرًا من إشكالية المرتزقة اليوم يرتبط بالشركات العسكرية والأمنية الخاصة، التي تعمل في مناطق نزاع أو بيئات غير مستقرة، بعيدًا عن أي أطر رقابية أو قانونية واضحة.
وأوضح أن هذه الشركات، رغم طابعها الخاص، فإنها تنفذ مهام ذات طبيعة عسكرية وسيادية، ما يجعلها في كثير من الأحيان طرفًا فاعلًا في ارتكاب الانتهاكات.
وأشار الفريق العامل إلى أن غياب الشفافية في عقود هذه الشركات، وصعوبة إخضاعها للمساءلة أمام القضاء الوطني أو الدولي، يجعل من الصعب ملاحقة مرتكبي الجرائم والانتهاكات.
كما نبه إلى خطورة تحول هذه الشركات إلى بديل عن الجيوش الوطنية في بعض السياقات، ما يُضعف من سيادة الدولة ويزيد من احتمالات الإفلات من العقاب.
أنماط متكررة من الانتهاكات
وأكد التقرير أن حالات الاختفاء القسري والاحتجاز التعسفي ارتبطت في كثير من الحالات بأنشطة المرتزقة، سواء في سياق الصراعات المسلحة أو في عمليات أمنية نفذت تحت ذريعة مكافحة الإرهاب.
كما سجل حالات موثقة لعنف جنسي استُخدم كأداة حرب، وعمليات تعذيب بحق معتقلين بهدف الحصول على معلومات أو لبث الرعب بين السكان المحليين.
كما أشار إلى أن المرتزقة غالبًا ما يتورطون في عمليات تجنيد للأطفال للقتال في النزاعات، وهو ما يشكل جريمة حرب بموجب القانون الدولي.
وأوضح أن هذه الانتهاكات الممنهجة تندرج ضمن سياق أوسع من الجرائم ضد الإنسانية، التي تستدعي تحقيقات ومساءلة على المستوى الدولي.
الفئات الأكثر تضررًا
ولفت الفريق العامل إلى أن النساء والأطفال واللاجئين والنازحين هم الأكثر تضررًا من أنشطة المرتزقة. إذ يتعرضون للتهجير القسري، ويُحرمون من الخدمات الأساسية، ويُجبرون على العيش في ظروف إنسانية بالغة القسوة. كما أن النساء والفتيات معرضات بشكل خاص للعنف الجنسي والاستغلال، في حين يواجه الأطفال خطر التجنيد القسري أو فقدان التعليم نتيجة النزاعات الممتدة.
وأكد التقرير أن المجتمعات المحلية في مناطق النزاع غالبًا ما تجد نفسها محاصرة بين عنف المرتزقة وانتهاكات الجماعات المسلحة الأخرى، في ظل غياب أي حماية فعلية من الدولة أو المجتمع الدولي.
وشدد الفريق العامل على أن أحد أكبر التحديات في مواجهة أنشطة المرتزقة يتمثل في غياب المساءلة. فغالبًا ما تُبرم العقود مع هذه الجهات في سرية تامة، ويُحاط مرتكبو الانتهاكات بحصانة فعلية تعوق تقديمهم للعدالة.
وأوضح أن هذا الغياب للمساءلة يشجع على تكرار الانتهاكات ويقوض ثقة المجتمعات المحلية في مؤسسات العدالة.
كما دعا إلى ضرورة تطوير أطر قانونية دولية أكثر صرامة، تضمن مساءلة الأفراد والشركات المتورطة في هذه الأنشطة، وتمنع الإفلات من العقاب.
دعوات للتحرك الدولي
واختتم الفريق العامل تقريره بتوصيات إلى مجلس حقوق الإنسان والمجتمع الدولي، دعا فيها إلى تبني نهج شامل للتصدي لاستخدام المرتزقة والشركات العسكرية الخاصة.
وأكد ضرورة تعزيز التعاون الدولي في هذا المجال، عبر تبادل المعلومات والتحقيقات، وتطوير أطر قانونية واضحة تضمن المساءلة والشفافية.
كما دعا الدول إلى وقف تمويل أو دعم أي أنشطة للمرتزقة، والالتزام التام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني في جميع العمليات العسكرية والأمنية.
وشدد على أن إنهاء ظاهرة المرتزقة يتطلب معالجة الأسباب الجذرية للنزاعات، ودعم مسارات التنمية والحكم الرشيد، بما يعزز قدرة الشعوب على تقرير مصيرها بحرية واستقلال.