رئيس «ملتقى الحوار»: إجراءات العفو الرئاسي عن المحبوسين بمصر خطوة إيجابية

عبدالحافظ: نحتاج إلى إصلاحات تشريعية لتوسيع هامش الديمقراطية في مصر

رئيس «ملتقى الحوار»: إجراءات العفو الرئاسي عن المحبوسين بمصر خطوة إيجابية
الحقوقي سعيد عبدالحافظ

تشهد العلاقة بين السلطات المصرية والمنظمات غير الحكومية حالة جديدة من التعاون بعدما اتسمت في سنوات سابقة بالتوتر والتوجس من توجهات وأهداف هذه المنظمات، خصوصا ما يتعلق بالتمويلات الأجنبية التي تتلقاها الجمعيات والمنظمات والمراكز الحقوقية، والتي يُنظر إليها في كثير من الأحيان بشيء من الريبة.

وفي حوار مع «جسور بوست»، يستعرض رئيس ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان سعيد عبدالحافظ، رؤيته حول حالة حقوق الإنسان في البلاد، مشيرًا إلى التحديات التي تواجهها في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية المعقدة، ومواقف الحكومة المصرية في التعامل مع حرية التعبير.

وفي ما يتعلق بالإفراج عن المحبوسين، أكد عبدالحافظ أن قرارات العفو الرئاسي هي خطوة إيجابية، وتؤكد وجود مراجعات مستمرة لوضع المحبوسين احتياطيًا، مشيرًا إلى أن الآليات الوطنية هي الأقدر على ضمان حقوق وحريات المواطنين، كما أكد أهمية دور المنظمات الحقوقية في تحسين التشريعات المتعلقة بحرية التعبير.

وإلى الحوار..

- كيف تقيم حالة حقوق الإنسان في مصر بشكل عام؟

لا يمكن الحديث عن حالة حقوق الإنسان في مصر دون النظر إلى السياق المحلي والإقليمي والدولي، وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال تبرير أي انتهاك أو اعتداء على الحقوق الأساسية للمواطنين، ولكن من الأهمية بمكان النظر في هذا السياق من أجل تقييم موضوعي لحالة حقوق الإنسان.

وفي هذا الإطار، لا يمكن إغفال أن مصر قد مرت بظروف استثنائية تمثلت في قيام ثورتين في أقل من 30 شهراً، وما ترتب على ذلك من سقوط نظامين: ثورة يناير أسقطت نظام حسني مبارك، وثورة 30 يونيو أسقطت نظام جماعة الإخوان المسلمين. وقد أسفر سقوط هذين النظامين عن تراكم من التحديات التي كان لابد من معالجتها، ومنها إعادة بناء مؤسسات الدولة ومرافقها.

ولا شك أن الأولوية كانت لحماية الدولة من الانهيار، ويمكن القول إنه على مدار العشرة أعوام الماضية، نجحت الدولة في الحفاظ على سيادتها وحدودها، لكن ذلك تم على حساب بعض الحقوق الفردية، ومنذ عامين بدأت محاولات توسيع هامش الديمقراطية وإعادة فتح الحوار السياسي، بالإضافة إلى تعديل بعض التشريعات لضمان تمتع المواطنين بحقوقهم.

- كيف ترى دور الحكومة المصرية في تعزيز أو تقويض حقوق الإنسان في البلاد؟

الحكومة المصرية، شأنها شأن أي حكومة، يجب أن تحترم الاتفاقيات الدولية التي صدقت عليها في ما يتعلق بحقوق الإنسان، وفقاً لمبدأ توازن السلطات، فإن السلطات التشريعية والقضائية مسؤوليتها ضمان عدم تغول الحكومة على الحقوق، وتصحيح مسارها عندما يحدث ذلك.

يجب الإيمان بأن حقوق الإنسان هي حقوق وواجبات، ولا توجد حقوق مطلقة. الإطار الحاكم لهذه الحقوق هو القانون، وفي القلب منه خضوع الجميع للقانون بما في ذلك الحكومة نفسها، وهو جوهر مبدأ المشروعية.

- هل تعتقد أن هناك تحسنًا في حرية التعبير في مصر في الفترة الأخيرة؟

حرية التعبير هي أحد أهم الحقوق المرتبطة بالإنسان، فهي الوسيلة التي يعبر بها عن ذاته. لضمان هذا الحق، يجب أن يكون التشريع المنظم يسمح بحرية ممارسة هذا الحق. ولكن للأسف، هناك مجموعة من التشريعات (ليس تشريعًا واحدًا) التي تم إصدار بعضها منذ أكثر من مئة عام، وبعضها يحتاج إلى تعديل ليتماشى مع التطور الذي شهده المجتمع. 

وبعض هذه التشريعات يحتاج إلى الإلغاء، خصوصًا تلك التي صدرت بعد عام 2014 لمواجهة الجماعات الإرهابية. لا شك أن الدولة نجحت بشكل كبير في القضاء على هذه الجماعات.

- هناك من يقول إن بعض الصحفيين غير قادر على العمل دون خوف من الملاحقة القانونية.. ما رأيك؟

الصحفي المهني الذي يمتلك أدواته ويعرف الحدود الفاصلة بين النقد المباح والقذف والسب، ويقوم بممارسة عمله وهو متسلح بالوثائق والمستندات، لا يجب أن يخشى شيئًا. 

والتجربة في مصر تشير إلى أن القضاء المصري عبر تاريخه كان متسامحًا في قضايا حرية الرأي والتعبير، طالما أن النقد موجه للفكرة وليس للأشخاص أو حياتهم الخاصة. 

إلا أن هناك ظاهرة انتشرت، وهي الاستسهال والاعتماد على الأخبار المتداولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي دون تدقيق أو تحقق.

- كيف يمكن إقناع السلطة في أي بلد بأن الأمن القومي وحقوق الإنسان شيئان لا يتعارضان؟

أختلف معك في هذه النقطة؛ لأن الأمن القومي وحقوق الإنسان قد يتعارضان في بعض الحالات، تهديد الأمن القومي يعني وجود مخاطر تختلف آليات التعامل معها من دولة إلى أخرى. 

والاتفاقيات الدولية سمحت ببعض القيود على بعض الحقوق الأساسية في حالات تهديد الأمن القومي، وهذا يعكس التناقض بين المفهومين. صحيح أن هذا استثناء وله شروط، ولكنه يُظهر أن حقوق الإنسان تتطلب في المقام الأول وجود دولة ذات سيادة لضمان محاسبتها على إخلالها بتعهداتها.

- كيف تقرأ قرارات العفو الرئاسي بحق بعض السجناء وآخرهم علاء عبدالفتاح؟

أي قرار يؤدي إلى إطلاق سراح أحد المحبوسين احتياطيًا هو أمر إيجابي ويجب تشجيعه، هذا يؤكد أن هناك مراجعات مستمرة لمواقف المحبوسين احتياطيًا، ويجب أن نثمن جهود لجان الحوار والمجلس القومي وغيرها من اللجان التي تسعى لتصحيح بعض الأوضاع. ومع ذلك، يجب التأكيد على أن الآليات الوطنية هي الوحيدة القادرة على ضمان حقوق وحريات المواطنين، وأن الاستقواء بالخارج لا يحقق العدالة.

- هل يمكنكم كمنظمات حقوقية زيارة السجون ومقار الاحتجاز دون إخطار مسبق؟

في واقع الأمر، نحن في منظمتنا «ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان» وائتلاف المنظمات الذي نمثله، منذ عام 2005، لدينا برامج عمل محددة تركز على أربعة برامج أساسية. وللأسف، ليس من بينها برنامج معاملة السجناء، لأننا نؤمن بالتخصص. وفي ما يخص السجون، يقتصر دورنا على إصدار بيانات الموقف أو العمل على تعديل التشريعات المنظمة.

وفي كل الأحوال، هناك تعارض بين اختصاص النيابة العامة، التي تتولى زيارة وتفتيش أماكن الاحتجاز، والدور الذي تطالب به بعض المنظمات في منحها صلاحيات تتعارض مع دور النيابة، أعتقد أن هذا الأمر يحتاج إلى حوار موسع لضمان قيام الجميع بدوره.

- كيف تصف علاقة الحكومة المصرية بمنظمات ونشطاء حقوق الإنسان؟

العلاقة بين الحكومة والمنظمات الحقوقية مرت بالعديد من المحطات التي تنوعت بين التوتر والقبول، وأعتقد أننا في مرحلة الاحترام المتبادل بعد أن قطع الطرفان شوطًا كبيرًا في تخفيف مواطن التوتر، مثل حسم قضية التمويل الأجنبي، والاتفاق على ضرورة الشفافية في هذا الشأن.

 القضية الأخرى كانت إصدار قانون الجمعيات الحالي، الذي حقق بشكل كبير مطالب المنظمات الحقوقية في عدم التدخل في أنشطتها، والسماح لها بإدارة شؤونها.

- على الصعيد الدولي، كيف كشفت حرب غزة عوار منظومة حقوق الإنسان الدولية؟

من غير الممكن تجاهل الانتقادات الواسعة لدور الأمم المتحدة ومطالبات الإصلاح المستمرة، ولكن لا يجب إغفال الدور الذي لعبته الأمم المتحدة في بعض القضايا الإنسانية، من خلال زيارات ممثليها لمناطق النزاع، وكذلك الدراسات التي تقدمها هيئات الأمم المتحدة حول أوضاع حقوق الإنسان.

قصور الأمم المتحدة في قضية غزة يكمن في عجز مجلس الأمن بسبب الفيتو، وضعف العمل الإنساني أمام الانتهاكات العسكرية لقوات الاحتلال، وتوقف تمويل الأونروا، وبطء أدوات المحاسبة الدولية رغم خطورة الانتهاكات الواسعة النطاق.

- هل يمكن محاسبة قادة الاحتلال الإسرائيلي على جرائمهم في غزة؟

نعم، من الناحية النظرية والقانونية، يمكن محاسبة قادة الاحتلال عبر آليات المحكمة الجنائية الدولية التي تملك اختصاصًا على الأراضي الفلسطينية منذ قبول فلسطين نظام روما عام 2015. 

ولكن التحدي يكمن في التطبيق السياسي والتنفيذي، إذ يصعب تنفيذ أوامر التوقيف في ظل دعم الولايات المتحدة المطلق لسياسات إسرائيل.

- ما خطورة إفلات مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية من العقاب الرادع؟

الخطورة تكمن في غياب آليات الردع ضد مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وهو ما يعني أن إسرائيل قد تستمر في ارتكاب جرائمها بحق الشعوب الأخرى، وهو ما يهدد السلم والأمن الدوليين وقد يؤدي إلى صراعات مستمرة لسنوات طويلة.

- بعد 80 عامًا على تأسيسها.. لماذا فشلت الأمم المتحدة في إحلال السلام والانطلاق العالمي نحو التنمية وحقوق الإنسان؟

الأمم المتحدة فشلت جزئياً بسبب نظامها الداخلي الذي يمنح صلاحيات ومزايا للدول الكبرى على حساب الدول الأخرى، وكذلك بسبب غياب آليات ملزمة لضمان تنفيذ قرارات الجمعية العامة، بالإضافة إلى أن تمويل الأمم المتحدة يتحكم فيه بعض الدول الكبرى، ما يعوق اتخاذ قرارات حاسمة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية