بين الاضطهاد والإفلات من العقاب.. مطالبات حقوقية بحماية الروهينغا وإيجاد حلول دائمة

بين الاضطهاد والإفلات من العقاب.. مطالبات حقوقية بحماية الروهينغا وإيجاد حلول دائمة
نازحون روهينغا

طالبت منظمة هيومن رايتس ووتش، في بيان، الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة قبيل اجتماعهم المقرر اليوم الثلاثاء، باتخاذ خطوات عملية وعاجلة لحماية أقلية الروهينغا من العنف والاضطهاد المستمر في ميانمار ودول الجوار.

 يأتي هذا النداء في وقت يعاني فيه الروهينغا من تهديدات مباشرة لحياتهم وحريتهم، سواء في ولاية راخين بميانمار أو في مخيمات اللجوء ببنغلاديش، وسط تراجع الدعم الدولي وصمت مجلس الأمن.

تاريخ من التهميش

تُعد أزمة الروهينغا واحدة من أطول الأزمات الإنسانية في آسيا، وينحدر الروهينغا من ولاية راخين غرب ميانمار، حيث عاشوا لقرون، لكنهم حُرموا منذ عام 1982 من الجنسية بموجب قانون اعتبرهم "مهاجرين غير شرعيين" من بنغلاديش، وفتح هذا الإقصاء الباب أمام عقود من التمييز الممنهج، تخللتها موجات عنف دامية أبرزها في 2012 و2017، حين شن الجيش الميانماري عمليات عسكرية وصفتها الأمم المتحدة بأنها "تطهير عرقي".

منذ انقلاب فبراير 2021، ومع تصاعد الصراع بين المجلس العسكري وجيش أراكان، ازدادت هشاشة الروهينغا، وتشير التقديرات الأممية إلى أن أكثر من 150 ألف شخص فروا من ولاية راخين منذ مطلع 2024 وحده، لينضموا إلى ما يزيد عن مليون لاجئ يقيمون في مخيمات مكتظة في كوكس بازار في بنغلاديش.

انتهاكات وجرائم موثقة

تقارير الأمم المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا وثقت أنماطاً "منتظمة ومنهجية" من الانتهاكات ضد الروهينغا، تشمل القتل خارج نطاق القانون، الحرق العمد، الاغتصاب، العمل القسري، والاحتجاز التعسفي، ورغم هذه الأدلة، فلا يزال الجيش الميانماري يتمتع بإفلات شبه كامل من العقاب.

في الجانب الآخر من الحدود، يعيش أكثر من مليون لاجئ روهينغي في ظروف وصفتها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بأنها "غير إنسانية"، وتعاني المخيمات من قيود مشددة على التعليم والعمل والتنقل، ومع خفض المساعدات الدولية عام 2024، باتت الحصص الغذائية لا تكفي سوى لوجبتين أساسيتين يومياً.

تقارير منظمة "أنقذوا الأطفال" أشارت إلى أن نحو 40% من الأطفال الروهينغا في المخيمات يعانون من سوء التغذية المزمن، في حين حذرت منظمة الصحة العالمية من تفشي أمراض مثل الكوليرا والملاريا بسبب ضعف البنية الصحية، وتُضاف إلى ذلك ظاهرة العنف المنظم، حيث تنتشر عمليات خطف وابتزاز تقودها جماعات مسلحة داخل المخيمات.

موقف القانون الدولي

من الناحية القانونية، يخضع ملف الروهينغا لتحقيقات أمام المحكمة الجنائية الدولية بشأن جرائم ضد الإنسانية، في حين تنظر محكمة العدل الدولية في دعوى رفعتها غامبيا ضد ميانمار بتهمة ارتكاب إبادة جماعية، ورغم صدور أوامر مؤقتة من المحكمة الدولية للعدل في 2022 تلزم ميانمار بحماية الروهينغا ومنع الإبادة، فإن هذه القرارات لم تجد طريقها للتنفيذ.

أما مجلس الأمن، فقد اكتفى منذ ديسمبر 2022 بقرارات غير ملزمة، دون اتخاذ خطوات عملية مثل فرض عقوبات أو حظر للأسلحة، ويبين هذا العجز الانقسامات الدولية، حيث تواصل دول كالصين وروسيا استخدام نفوذها لعرقلة أي تحرك قوي ضد المجلس العسكري في ميانمار.

ترى منظمات حقوقية أن استمرار غياب إجراءات حاسمة يفاقم معاناة الروهينغا ويغذي دوامة الإفلات من العقاب، ففي ظل غياب الضغط الدولي، توسع جيش أراكان في فرض قيود إضافية على الروهينغا، تشمل العمل القسري وحرمانهم من حرية التنقل، في حين يمارس الجيش الميانماري سياسات قمعية أعمق.

اللاجئون الذين التقتهم هيومن رايتس ووتش أكدوا أنهم مستعدون للعودة إلى ديارهم شريطة ضمان الأمن والجنسية الكاملة، وهو مطلب يتماشى مع القانون الدولي لحقوق الإنسان، لكن الظروف الحالية في ميانمار، بحسب تقارير الأمم المتحدة، "لا توفر أي ضمانات لعودة آمنة أو كريمة".

ردود الفعل الدولية

بينما رحبت بعض الدول الأوروبية بدعوات هيومن رايتس ووتش لاتخاذ إجراءات عاجلة، لا يزال الموقف الدولي منقسماً: دول في الاتحاد الأوروبي تضغط باتجاه فرض عقوبات جديدة على المجلس العسكري، في حين تفضل دول أخرى، خاصة في آسيا، نهج الحوار مع السلطات الميانمارية.

المنظمات الأممية، من جانبها، تركز على ضرورة زيادة التمويل المخصص لمساعدات اللاجئين في بنغلاديش، إلى جانب حثّ الحكومة البنغلاديشية على رفع القيود المفروضة على حق العمل والتنقل.

في المقابل، ترى منظمات المجتمع المدني أن الحل الجذري يكمن في إحالة ملف ميانمار إلى المحكمة الجنائية الدولية وفرض حظر عالمي على بيع الأسلحة للجيش، وهو ما دعت إليه الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها الصادر عام 2021.

من التهميش إلى الإبادة

تعود جذور أزمة الروهينغا إلى عقود طويلة من التمييز، فمنذ الاستقلال عن بريطانيا عام 1948، ظلت السلطات الميانمارية تنظر إلى الروهينغا باعتبارهم "غرباء"، وجاء قانون الجنسية لعام 1982 ليكرّس هذا الوضع، حيث حرم نحو 800 ألف شخص من حقوق المواطنة، ما جعلهم عديمي الجنسية.

في 2017، شن الجيش الميانماري حملة عسكرية بعد هجمات محدودة نفذتها جماعة مسلحة من الروهينغا، لكن الرد كان واسعاً ومدمراً حيث تم إحراق قرى بكاملها، وقتل آلاف المدنيين، وشُرد مئات الآلاف نحو بنغلاديش، ووصفت الأمم المتحدة هذه الحملة بأنها "نموذج للإبادة الجماعية".

مؤتمر الأمم المتحدة

مع انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة حول الروهينغا، ترى هيومن رايتس ووتش أن هذه لحظة حاسمة لاختبار جدية المجتمع الدولي، فإما أن يترجم الأقوال إلى أفعال عبر دعم المساعدات الإنسانية، وزيادة فرص إعادة التوطين، وفرض إجراءات مساءلة صارمة، أو أن يستمر في سياسة الصمت التي كلفت الروهينغا عقوداً من المعاناة.

أزمة الروهينغا لم تعد مجرد مسألة داخلية تخص ميانمار، بل اختبار عالمي لقيم العدالة وحقوق الإنسان، وإذا استمرت سياسات التمييز والإفلات من العقاب، فإن المجتمع الدولي يخاطر بترك جيل كامل يعيش بلا وطن، بلا حقوق، وبلا أمل في المستقبل.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية