حقوق الإنسان تتصادم مع انهيار الخدمات.. ما تداعيات القمع على المشهد الإنساني بمدغشقر؟
حقوق الإنسان تتصادم مع انهيار الخدمات.. ما تداعيات القمع على المشهد الإنساني بمدغشقر؟
أعرب المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك عن صدمته وحزنه إزاء القتل والإصابات التي تم توثيقها خلال احتجاجات اندلعت احتجاجاً على انقطاع التيار الكهربائي والماء في العاصمة أنتاناناريفو ومدن أخرى بمدغشقر.
ودعا تورك، السلطات إلى احترام حق التجمع السلمي وحرية التعبير وإجراء تحقيقات فورية وشاملة وشفافية ومهنية في ممارسات قوات الأمن بعد تسجيل ما لا يقل عن 22 قتيلاً ومئات الجرحى.
وقد دفعت هذه التطورات الرئيس إلى إعلان حل الحكومة وسط استمرار التظاهرات وإعلان حظر تجول في عدة مدن، بحسب ما ذكره بيان المفوضية السامية لحقوق الإنسان
بنية تحتية متهالكة
الشرارة المباشرة للاحتجاجات كانت انقطاعات متكررة للكهرباء والماء، لكنها تراكمت على خلفية أوسع من ضعف الخدمات الأساسية وهشاشة إدارة المرافق العامة في مدغشقر.
وتواجه شركة الكهرباء والمياه الحكومية (JIRAMA) عجزاً فنياً ومالياً كبيراً أدى إلى انخفاض تغطية الكهرباء إلى نحو ثُلث السكان، وضعف قدرة الشبكات على تلبية الطلب، وفق تحليلات لصعوبات القطاع الطاقي ومراجعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
كما تعاني البلاد من ضعف الاستثمارات في شبكات المياه والصرف الصحي، ما يجعل حصول السكان على مياه آمنة أمراً غير مضمون.
ضعف الخدمات هذا يُترجم يومياً إلى خسائر اقتصادية ومعيشية تشعر بها الأسر والفئات الشابة التي قادت الاحتجاجات.
سير المواجهات وعمليات القمع
بدأت التظاهرات سلمية في 25 سبتمبر، لكن قوات الأمن تدخلت بقوة، مستخدمة قنابل الغاز والضرب واعتقالات، وسجلت تقارير عن استخدام ذخيرة حية في بعض المواقع، فيما توسعت الاحتجاجات إلى ثماني مدن كبرى، كما شهدت اشتباكات متفرقة أعقبتها حالات نهب وعنف من جهات غير تنظيمية، ما زاد تعقيد المشهد الأمني، وأثارت خشونة الاستجابة الرسمية إدانات أممية ومحلية وطالبت بتحقيقات مستقلة للوقوف على مسؤولية الجهات التي استخدمت القوة المفرطة.
خسائر الأرواح والإصابات تمثل الوجه الأكثر إيلاماً لأزمة عابرة الخدمات، وتم تسجيل عشرات القتلى ومئات الجرحى، وأعلنت السلطات في مدغشقر فرض حظر تجول وإجراءات أمنيّة طارئة أعاقت تنقل السكان والأنشطة الاقتصادية، اضطراب الإمدادات تسبب أيضاً في تعطّل مدارس وأسواق وخدمات صحية أساسية، وزاد من هشاشة الأسر الأشد فقرًا في بلد يعاني مستويات فقر مرتفعة ونمو اقتصادي ضعيف، والموجة الحالية من الاضطراب قد تؤدي إلى تفاقم الفقر الغذائي والضغط على الخدمات الصحية، خصوصاً أن كثيرين يعتمدون على الكهرباء لتشغيل مضخات المياه والصيدلة البسيطة.
ردود الفعل المحلية والدولية
أدانت الأمم المتحدة، ممثلة بمكتب حقوق الإنسان، استخدام السلطات الأمنية في مدغشقر القوة المفرطة ودعت إلى الإفراج عن المعتقلين تعسفيًا وإجراء تحقيق مستقل ومحاسبة المسؤولين.
وسائل إعلام دولية ومراكز بحث دولية غطت الأحداث وحذّرت من مخاطر تزايد العنف السياسي، ومنظمات حقوقية دولية مثل منظمة العفو وفرق محلية سبق أن حذّرت من هشاشة حقوق السكن والماء في مدغشقر وأثر ذلك على الفئات الفقيرة، ودعت المجتمع الدولي إلى الضغط من أجل حماية المدنيين، في المقابل شككت وزارة الخارجية المدغشقرية في بعض الأرقام الرسمية، ما يعكس سجالاً بين تقارير أممية وشهادات رسمية.
القانون الدولي لحقوق الإنسان يعترف بحق الوصول إلى ماء آمن وكافٍ كجزء من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إذ نصت لجنة الأمم المتحدة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية على أن الماء يجب أن يكون متاحاً وكافياً ومقبولاً وميسور التكلفة للجميع، وفي المقابل تنظم مبادئ الأمم المتحدة الخاصة باستخدام القوة من قبل قوات إنفاذ القانون متى وكيف يجوز اللجوء إلى القوة والذخيرة الحية، وضرورة وملاءمة وتناسب واستثناء الاستخدام إلا لحماية الأرواح أو منع إصابات جسيمة وشيكة، ويدعو القانون الدولي إلى محاسبة أي استخدام مفرط أو غير متناسب للقوة.
عوامل بنيوية تزيد من الاحتقان
تتداخل أزمات البنية التحتية مع عوامل أخرى: ارتفاع معدلات الفقر وانخفاض الاستثمار العام، وتأثر قطاعات حيوية بتقلبات أسعار السلع وتراجع إيرادات التصدير، وكذلك الضغوط المناخية التي أدت لفترات جفاف وفيضانات متصاعدة أثرت على توفر المياه والقدرة على إنتاج الطاقة الكهرومائية، وهذه العوامل تُظهر أن الأزمة ليست مجرد تعطل فني وإنما فشل سياسي وإداري مستمر في إدارة الاحتياجات الأساسية.
هيئات الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان دعت إلى إجراءات فورية تشمل وقف العنف، إطلاق سراح المحتجزين تعسفياً، وتحقيقات مستقلة وشفافة يمكن أن يقودها خبراء مستقلون أو بعثة تحقيق دولية إذا اقتضت الحاجة، وإجراءات طارئة لاستعادة إمدادات المياه والكهرباء لأحياء الأحياء الأكثر تضرراً، وعلى المستوى السياسي، يقترح المراقبون إصلاح إدارة المرافق وفتح حوار وطني شامل يضم الشباب والمجتمع المدني لتقديم حلول مستدامة، وتنفيذ إجراءات إغاثية سريعة لحماية الفئات الأشد هشاشة ينبغي أن يواكب أي استجابة أمنية، وفق المفوضية السامية لحقوق الإنسان.
الأحداث في مدغشقر تضع اختباراً مزدوجاً لشرعية الدولة وقدرتها على توفير الحقوق الأساسية وحماية حياة الناس، وللقواعد الدولية التي تقيد استعمال القوة وتكفل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إذا فشلت السلطات في التحقيق والمحاسبة وإصلاح إدارة الخدمات الأساسية فستتكرر موجات الاحتجاج وتتصاعد الخسائر الإنسانية والاجتماعية، وعلى المجتمع الدولي أن يواكب دعوات التحقيق المستقل وتقديم دعم فني ولوجستي لإعادة خدمات الماء والكهرباء مع ضمانات حقوقية واضحة لحماية المدنيين، لأن الحق في الماء والعيش الكريم لا يُصون إلا بحلول سياسية وإدارية وجمهورية حقيقية.