قطع الإنترنت.. العزلة الرقمية تفاقم انتهاكات حقوق الإنسان في أفغانستان

قطع الإنترنت.. العزلة الرقمية تفاقم انتهاكات حقوق الإنسان في أفغانستان
سلطات طالبان تقطع الإنترنت

دخلت أفغانستان مرحلة جديدة من العزلة بعدما فرضت سلطات طالبان خلال سبتمبر الماضي إغلاقاً شبه كامل لشبكات الإنترنت، بدأ تدريجياً في عدد من المحافظات الشمالية، قبل أن يمتد إلى العاصمة كابول في 29 سبتمبر، ووصل إلى جميع أنحاء البلاد بحلول نهاية الشهر، وتحت شعار منع "السلوك غير الأخلاقي"، جرى قطع خدمات الألياف الضوئية والإنترنت عبر الهواتف المحمولة، مما جعل ملايين الأفغان بلا منفذ للتعليم أو العمل أو التواصل. 

هذه الخطوة، وفق ما ذكرته "هيومن رايتس ووتش" الأربعاء على موقعها الإلكتروني، تمثل اعتداءً خطيراً على حقوق الإنسان الأساسية، وتزيد من عزلة مجتمع يعيش بالفعل تحت ضغوط إنسانية وأمنية واقتصادية متفاقمة.

الأسباب المعلنة والمخفية

بررت حركة طالبان الإغلاق بالتصدي لما تصفه بـ"الممارسات غير الأخلاقية"، لكن باحثين ومنظمات دولية يشيرون إلى أن هذه الممارسات تمثل جزءاً من سياسة أوسع للسيطرة على الفضاء العام وإسكات الأصوات المعارضة. منذ عودة طالبان إلى الحكم عام 2021، اتبعت الحركة سياسات ممنهجة لتقييد الإعلام، إغلاق المنظمات النسوية، وحرمان النساء من التعليم والعمل. ومع الانقطاع الرقمي الأخير، تم إغلاق آخر نافذة للتواصل مع العالم الخارجي.

تداعيات إنسانية مباشرة

أثر الانقطاع بشكل فوري على قطاعات واسعة. فقد أعلنت هيومن رايتس ووتش أن ملايين الأفغان حُرموا من حقوقهم الأساسية في التعليم والصحة والمعلومات. 

الطلاب، خصوصاً الفتيات اللاتي يعتمدن على المنصات الإلكترونية بعد منعهن من التعليم الجامعي، وجدوا أنفسهم أمام جدار عازل، أحد أعضاء هيئة التدريس في دورة جامعية عبر الإنترنت قال إن 9 طلاب فقط من أصل 28 تمكنوا من متابعة الدروس، بينما انقطع البقية عن الدراسة.

النساء والفتيات.. الخاسر الأكبر

يمثل إغلاق الإنترنت تهديداً مضاعفاً للنساء، فالفرص المحدودة المتبقية لهن في التعليم والعمل عبر المنصات الرقمية توقفت فجأة. 

المبادرات النسوية التي اعتمدت على الإنترنت لتقديم الدعم النفسي أو التعليمي أو الإغاثي وجدت نفسها مشلولة، وبذلك، لم يُعزل الأفغان عن العالم فحسب، بل عُزلت النساء عن آخر خيوط المشاركة المجتمعية.

انعكاسات اقتصادية وخدمية

التداعيات الاقتصادية بدت جلية منذ الأيام الأولى، فتقارير إعلامية أشارت إلى توقف بعض الأعمال التجارية، وتعطل الرحلات الجوية من وإلى مطار كابول، كما أصيب النظام المصرفي، الذي يعتمد على الإنترنت في إجراء التحويلات والمعاملات، بالشلل، ما أدى إلى تفاقم معاناة المواطنين في الحصول على رواتبهم أو إجراء تعاملاتهم المالية. كذلك، تضررت التجارة الإلكترونية والمشروعات الصغيرة التي كانت تعتمد على المنصات الرقمية كوسيلة للبقاء.

تأثير على الإعلام والمجتمع المدني

الصحفيون وجدوا أنفسهم غير قادرين على التواصل أو توثيق الأحداث، فيما صارت محاولات الاتصال بالداخل شبه مستحيلة. هذا الانقطاع يعرقل عمل المنظمات الإنسانية التي تعتمد على الإنترنت لتنسيق المساعدات، وأكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن هذه الأزمة الجديدة تعقد جهود الإغاثة في بلد يواجه أساساً مستويات مرتفعة من الفقر والجوع.

ردود فعل دولية

منظمات حقوقية محلية ودولية، من بينها هيومن رايتس ووتش، وصفت الخطوة بأنها قمع جماعي وانتهاك واضح لحقوق الإنسان، وأصدر مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان ومجلس حقوق الإنسان بيانات سابقة تحذر من خطورة إغلاق الإنترنت، باعتباره يقوض حرية التعبير والمشاركة السياسية ويؤدي إلى تفاقم أوجه عدم المساواة، لا سيما بين النساء والفئات المهمشة.

الإطار القانوني الدولي

يؤكد القانون الدولي لحقوق الإنسان، وبخاصة العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، على أن حرية التعبير والوصول إلى المعلومات حقوق غير قابلة للتجزئة. وتعتبر قرارات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن القيود التعسفية على الإنترنت تُعد خرقاً لهذه الالتزامات الدولية، بما يضع سلطات الأمر الواقع في أفغانستان أمام مسؤولية قانونية وأخلاقية.

خلفيات تاريخية

ليست هذه المرة الأولى التي يُستخدم فيها الإنترنت كسلاح سياسي. ففي العقد الأخير، شهدت عدة دول في آسيا وإفريقيا عمليات إغلاق متعمد للإنترنت خلال فترات احتجاج أو اضطراب سياسي. لكن خصوصية الحالة الأفغانية تكمن في التوقيت: بلد يعاني من انهيار اقتصادي منذ 2021، وتعتمد نسبة كبيرة من سكانه على المساعدات الدولية والخدمات الرقمية وبحسب تقديرات البنك الدولي لعام 2023، يعيش أكثر من 70% من الأفغان تحت خط الفقر، ما يجعل الانقطاع الرقمي مضاعفاً للحرمان.

انعكاسات على المدى البعيد

حرمان الشباب من التعليم يعمق أزمة الجهل والبطالة، ويكرس تعطيل الإعلام المستقل الرواية الرسمية إضافة إلى قطع آخر خيوط الارتباط بالأسواق العالمية، ومع انقطاع الاتصالات، يُصبح توثيق الانتهاكات أو دعم المجتمع المدني شبه مستحيل، ما يمنح السلطات قدرة أكبر على السيطرة دون رقابة.

إغلاق الإنترنت في أفغانستان ليس مجرد انقطاع تقني، بل خطوة سياسية تحمل أثماناً إنسانية باهظة، إنها تضرب أسس المجتمع الحديث: التعليم، الإعلام، الاقتصاد، والرعاية الصحية. ومع كل يوم يمر، تترسخ عزلة شعب كامل داخل حدود مقفلة رقمياً.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية