رياض أولر.. من ظلمات سجن صيدنايا السوري إلى النضال من أجل كرامة المفقودين

رياض أولر.. من ظلمات سجن صيدنايا السوري إلى النضال من أجل كرامة المفقودين
رياض أولر يحتضن عائلته

عندما فتحت أبواب سجن صيدنايا السوري بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024، لم يكن الداخلون بحاجة إلى شهود أحياء ليدركوا حجم الفظائع، فقد ترك السجناء على الجدران نقوشاً موجعة تكفي لتوثيق الرعب، بينها عبارة كتبها أحدهم: "اليوم الأول، ضرب مبرح".. كانت تلك الكلمات تلخيصاً لسنوات من الألم في المكان الذي اشتهر عالمياً باسم "المسلخ البشري".

اليوم، يقود المعتقل السابق رياض أولر –الذي أمضى أكثر من عقدين خلف قضبان سجن صيدنايا بعد اعتقاله عام 1996 وهو في التاسعة عشرة– جهوداً إنسانية لكشف مصير آلاف المختفين والسعي لتحقيق العدالة.

يعمل رياض بدعم من الأمم المتحدة من خلال "رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا"، التي أسسها مع ناجين آخرين لتوثيق الانتهاكات ومساندة العائلات التي تبحث عن أحبائها، يقول: "مهمتنا أن نمكّن الناجين وعائلات المفقودين من أن يكونوا فاعلين في مسار العدالة الانتقالية والمساءلة".

قصص أمهات ونساء

في حديث نشره موقع أخبار الأمم المتحدة، الجمعة، يستعيد رياض لقاءً مع أم أخبرها بوفاة ابنها في المعتقل، أجابته بدموع ثابتة: "أنا أقبل بذلك، لكني لم أفقد الأمل، سيعود ابني يوماً ما"، بالنسبة لرياض، كانت كلماتها مرآة لصمود آلاف الأمهات اللواتي يرفضن الاستسلام لفقدان أبنائهن.

ويضيف: "كل فرد من أفراد العائلة يعاني بطريقته، لكن ما يوحدهم جميعاً هو الحق في المعرفة".

إلى جانب التوثيق، تدير الرابطة مركزاً يقدم العلاج النفسي والجسدي للناجين، ويحمي العائلات من عمليات الاحتيال التي تستغل شوقها لمعلومة عن مصير أحبائها، كل مقابلة تُجرى مع مراعاة عميقة لتفادي إعادة الصدمة.

سيرة مليئة بالوجع

يروي رياض كيف عاش 15 عاماً في عزلة شبه كاملة عن العالم، لم يرَ خلالها أخاه سوى مرتين لبضع دقائق، وعندما خرج عام 2017، عانقته والدته بقوة وهي تقول إنها تريد أن تحفظ رائحته، خشية أن تضيع مرة أخرى.

يقول: "كنت أعيش في خوف دائم من الإعدام، هذه التجربة جعلتني أؤمن أن صوت الناجين يجب أن يكون في صميم مسار العدالة".

بعد خروجه، التحق رياض بالمجلس الاستشاري للمؤسسة المستقلة للأشخاص المفقودين في سوريا، التي أنشأتها الأمم المتحدة عام 2023 لتوضيح مصير المفقودين ودعم العائلات، ويؤكد: "مسؤوليتنا أن نرفع أصواتنا، لا نريد الانتقام، بل العدالة والاعتراف بالضحايا".

أمل بمستقبل مختلف

بالنسبة لرياض، الحياة بعد السجن بدت وكأنها انتقال مفاجئ من زمن قديم إلى عالم جديد، "عندما اعتقلت كانت الهواتف بأزرار، وعندما خرجت وجدت هواتف تُلمس باليد، شعرت كأنني خرجت من ثلاجة إلى فيلم خيال علمي"، لكنه يصر على أن يتجاوز الألم: "علينا المضي قدماً، الحقيقة حجر الأساس لمستقبل سوريا، والعدالة الانتقالية لا تكتمل من دون صوت الناجين والعائلات".

سجن صيدنايا الواقع شمال دمشق مثّل لعقود رمزاً للرعب في سوريا، وقد وصفته منظمات حقوقية بـ "المسلخ البشري" بسبب حجم الانتهاكات والتعذيب الممنهج الذي شهدته جدرانه، ووفق الشبكة السورية لحقوق الإنسان، لا يزال ما لا يقل عن 181 ألف شخص محتجزين تعسفياً أو مختفين قسراً في سوريا، بينهم آلاف النساء والأطفال.

في عام 2023، أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة "المؤسسة المستقلة للأشخاص المفقودين في سوريا" لتوحيد الجهود من أجل الكشف عن مصير المفقودين، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي لعائلاتهم، والمساهمة في مسار العدالة الانتقالية، ورغم التحديات الضخمة، يبقى الأمل قائماً بأن يكون صوت الضحايا وعائلاتهم حجر الزاوية لأي سلام عادل في سوريا.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية