انقطاع الإنترنت في أفغانستان.. صمت رقمي يخنق الحياة تحت حكم طالبان

انقطاع الإنترنت في أفغانستان.. صمت رقمي يخنق الحياة تحت حكم طالبان
قطع الاتصالات في أفغانستان - أرشيف

شهدت أفغانستان خلال الأسبوع الأخير انقطاعاً شاملاً لشبكات الإنترنت والاتصالات دام 74 ساعة متواصلة، ما تسبب في شلل شبه تام لجميع الخدمات الحيوية، وألقى بظلال قاتمة على حياة ملايين السكان، خصوصاً النساء والشباب الذين يعتمدون على الإنترنت في التعليم والعمل والتواصل مع العالم الخارجي.

تحولت المدن الكبرى، وعلى رأسها كابول وهرات ومزار شريف، إلى مدن صامتة بلا نبض، حيث توقفت البنوك والرحلات الجوية والمكاتب الحكومية، وأُغلقت المدارس والجامعات التي تعتمد على التعليم الإلكتروني، في حين بدت الأسواق خالية، والناس في حالة ذهول وترقب وسط غياب أي تبرير رسمي من حكومة طالبان، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، اليوم السبت.

وأعاد هذا الانقطاع المفاجئ ذكريات مريرة من أغسطس 2021، حين سيطرت حركة طالبان على الحكم، فخيم الخوف والارتباك من جديد على نفوس المواطنين. 

كثيرون وصفوا تلك الساعات بـ"الظلام الرقمي"، إذ وجد الناس أنفسهم معزولين عن العالم الخارجي تماماً، لا يستطيعون التواصل مع أقاربهم في الخارج، ولا الحصول على معلومات عن التطورات داخل البلاد.

وتحدث ناشطون عبر منصات دولية بعد عودة الخدمة، مؤكدين أن "الصدمة التي خلفها الانقطاع كانت أقوى من الحرب نفسها"، لأنها عكست حجم العزلة التي يعيشها الشعب الأفغاني في ظل حكم طالبان، وعمّقت الشعور بالعجز وفقدان الأمان.

روايات متضاربة وصمت رسمي

لم تصدر أي تصريحات رسمية من حكومة طالبان لتوضيح أسباب الانقطاع، في حين تداولت وسائل إعلام محلية ومصادر داخل أجهزة الأمن روايات متباينة، من بينها أن الانقطاع تزامن مع مفاوضات سرية حول قاعدة باغرام العسكرية بين طالبان والولايات المتحدة، وسط رفض صيني وروسي لأي وجود أمريكي جديد في البلاد.

لكن مصادر أخرى، من داخل جهاز استخبارات طالبان، رجّحت أن الهدف من قطع الإنترنت هو مراقبة الهواتف المحمولة والتطبيقات المستخدمة يومياً، مثل واتساب وتلغرام، ووضع الاتصالات والمحادثات تحت رقابة مباشرة.

كانت النساء الأفغانيات أكثر الفئات تضرراً من الانقطاع. فمعظمهن يعتمدن على الإنترنت في متابعة التعليم عن بُعد بعد حرمانهن من الدراسة الجامعية بموجب قرارات طالبان، كما تعتمد كثيرات على العمل الحر من المنزل مصدر دخل وحيداً لإعالة أسرهن.

تقول "فرشته"، طالبة جامعية من كابول: "كنت على وشك إنهاء امتحاني النهائي عبر الإنترنت، وفجأة انقطعت الخدمة، لا أعرف ما إذا كنت سأُطرد من البرنامج الدراسي أم لا، الأمر محزن ومخيف في الوقت نفسه".

أما "ليلى"، وهي مصممة جرافيك تعمل من المنزل، فتقول: "في تلك الساعات فقدت دخلي بالكامل، ولم أتمكن من التواصل مع زبائني، شعرت أن طالبان قطعت عني الهواء نفسه، لأن الإنترنت هو نافذتي الوحيدة إلى العالم".

انعكاسات اجتماعية واقتصادية

أدى هذا الانقطاع الطويل إلى شلل اقتصادي واسع، إذ توقفت عمليات التحويل المالي والتجارة الإلكترونية، وتعطلت أنشطة الإغاثة الإنسانية التي تعتمد على الاتصال الميداني عبر الإنترنت، ما فاقم معاناة الأسر الفقيرة التي تعتمد على الدعم الخارجي.

وتسببت العزلة الرقمية في اضطرابات اجتماعية عميقة، إذ انقطع التواصل بين العائلات المقيمة داخل البلاد وأقاربهم في المهجر، فغرق كثيرون في قلق دائم على أحبائهم، دون وسيلة لمعرفة ما إذا كانوا بخير.

ويرى مراقبون أن ما جرى ليس مجرد عطل فني، بل جزء من سياسة طالبان للسيطرة على المجتمع من خلال العزلة والرقابة، واستخدام الإنترنت أداة ضغط لمعاقبة المعارضين، والتضييق على الحريات العامة، لا سيما حرية المرأة.

ويؤكد محللون أن "قطع الإنترنت في أفغانستان أصبح أداة سياسية، تُستخدم كلما أرادت الحركة إسكات الأصوات الحرة أو تمرير قراراتها بعيداً عن أعين العالم".

نداءات حقوقية عاجلة

أطلقت منظمات حقوقية دولية، بينها هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، نداءات عاجلة طالبت فيها بضمان عدم استخدام الاتصالات كسلاح ضد المدنيين، وبإعادة تمكين النساء والشباب من حقهم في التعليم والعمل والاتصال بالعالم.

وفي ظل استمرار الصمت الرسمي، يبقى الشعب الأفغاني، كما وصفه أحد النشطاء المحليين، "محتجزاً داخل سجن رقمي كبير، تُغلق أبوابه كلما أرادت طالبان أن تذكّر الناس بأنها تملك مفاتيح الضوء والهواء".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية