انزلاقات أرضية وفيضانات في الهند والنيبال.. تغيّر المناخ يضاعف المآسي الإنسانية

انزلاقات أرضية وفيضانات في الهند والنيبال.. تغيّر المناخ يضاعف المآسي الإنسانية
محاولات إنقاذ المتضررين من السيول والفيضانات في الهند

شهدت منطقة دارجيلينغ في شمال شرق الهند وإقليم إيلام في شرق النيبال واحدة من أشد الكوارث الطبيعية خلال موسم الأمطار الموسمية، حيث أسفرت الانزلاقات الأرضية الناجمة عن هطول أمطار غزيرة ليل السبت/الأحد عن سقوط عشرات القتلى وعزل مناطق بأكملها في الجبال، وسط تحذيرات متزايدة من أنّ التغيّر المناخي يجعل مثل هذه الظواهر أكثر خطورة وتكرارًا.

دارجيلينغ.. قرى معزولة وطرقات مدمرة

أكد هارش ف. شرينغلا، عضو البرلمان الهندي، أنّ أكثر من عشرين شخصًا قضوا في الانزلاقات الأرضية التي اجتاحت دارجيلينغ، وأوضح أنّ "مناطق بأسرها في الجبال باتت معزولة ودُمّرت طرق حيوية، ما يعرقل جهود الإنقاذ" بحسب فرانس برس.

وقد تسببت السيول في قطع شبكات الطرق والجسور، الأمر الذي زاد من عزلة القرى الجبلية النائية، فيما تكافح السلطات لإيصال المساعدات والإمدادات الغذائية والطبية.

رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أعرب عن "تأثر عميق بخسارة الأرواح"، مقدمًا تعازيه إلى عائلات الضحايا، ومؤكدًا أنّ حكومة نيودلهي ستوفر "كل مساعدة ممكنة"، إلا أنّ حجم الأضرار ووعورة التضاريس يطرحان تحديات جسيمة أمام السلطات.

النيبال.. حصيلة فادحة وأقاليم مقطوعة عن العالم

في النيبال المجاورة، أعلنت السلطات وفاة 42 شخصًا منذ يوم الجمعة جراء الأمطار الغزيرة والانزلاقات الأرضية، مع بقاء خمسة آخرين في عداد المفقودين. أكثر من 37 من الضحايا سقطوا في إقليم إيلام الشرقي، الذي يشتهر بجباله الشاهقة وطرقه الوعرة.

قالت المتحدثة باسم الوكالة الوطنية لإدارة الحالات الطارئة، شانتي مهات، إنّ "فرق الإنقاذ تواجه صعوبات هائلة، إذ إنّ بعض المناطق معزولة تمامًا، ولا يمكن الوصول إليها إلا سيرًا على الأقدام".

وفي العاصمة كاتماندو، فاضت الأنهار والبحيرات، ما أجبر السلطات على تعبئة مروحيات ومراكب لإجلاء السكان المحاصرين، وأشار المسؤول المحلي سونيتا نيبال إلى أنّ "البنية التحتية المحدودة تجعل من كل عملية إغاثة تحديًا بحد ذاته".

دورة طبيعية تتحول إلى كابوس

تُعدّ الفيضانات والانزلاقات الأرضية ظواهر مألوفة في جنوب آسيا خلال موسم الأمطار الممتد من يونيو حتى سبتمبر، حيث تعتمد الزراعة والحياة اليومية في هذه البلدان بشكل كبير على مياه الأمطار الموسمية، غير أنّ الخبراء يشيرون إلى أنّ تغيّر المناخ جعل هذه الدورة الطبيعية أكثر اضطرابًا وعنفًا.

بحسب "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ"، ازدادت وتيرة الأمطار الغزيرة المفاجئة في المنطقة خلال العقدين الأخيرين، مع ارتفاع درجات الحرارة وزيادة ذوبان الثلوج في جبال الهيمالايا. هذه التغيرات تؤدي إلى زيادة مخاطر الفيضانات، والانزلاقات الأرضية، والعواصف الطينية التي تودي بحياة الآلاف سنويًا.

نزوح وفقر وأزمات طويلة الأمد

لا تقتصر تداعيات هذه الكوارث على الخسائر البشرية المباشرة. ففي دارجيلينغ يعتمد السكان على الزراعة والسياحة كمصادر رئيسية للدخل، ومع تدمير المزارع والبنية التحتية، يواجه آلاف السكان خطر الفقر والنزوح.

أما في النيبال، حيث يعيش جزء كبير من السكان تحت خط الفقر، فإنّ الكارثة تهدد بزيادة معدلات البطالة وانعدام الأمن الغذائي، خاصة أنّ العديد من الأراضي الزراعية دُمّرت أو غمرتها السيول.

تقارير الأمم المتحدة حذرت من أنّ هذه الكوارث المتكررة تزيد من هشاشة الفئات الضعيفة، ولا سيما النساء والأطفال، الذين غالبًا ما يتحملون العبء الأكبر من فقدان المأوى وسبل العيش.

قصور البنية التحتية وتحديات الاستجابة

أبرزت هذه الأحداث القصور المزمن في البنية التحتية لمناطق جبال الهيمالايا، حيث تبقى الطرق غير مؤهلة لمواجهة الكوارث الطبيعية، وتفتقر القرى إلى أنظمة إنذار مبكر وملاجئ آمنة.

في النيبال، اعترفت السلطات بأنّ "موارد الإغاثة غير كافية"، فيما شددت منظمات إنسانية على ضرورة الاستثمار في خطط طويلة الأمد لبناء القدرة على التكيف مع التغير المناخي.

مسؤولية عالمية في مواجهة التغير المناخي

يؤكد خبراء المناخ أنّ ما يحدث في الهند والنيبال ليس حدثًا محليًا معزولًا، بل نتيجة مباشرة لارتفاع درجات الحرارة عالميًا واختلال الأنماط المناخية، وجنوب آسيا، رغم أنها تسهم بنسبة محدودة في انبعاثات الغازات الدفيئة مقارنة بالدول الصناعية الكبرى، إلا أنها من بين أكثر المناطق عرضة لتأثيرات التغير المناخي.

منظمة العفو الدولية ومنظمات حقوقية أخرى شددت على أنّ الكوارث المتكررة في هذه المنطقة يجب أن تُقرأ في إطار العدالة المناخية، حيث يدفع السكان المحليون ثمنًا باهظًا لأزمات بيئية لم يكونوا سببًا رئيسيًا في صناعتها.

نحو سياسات أكثر صمودًا

المحللون يرون أن التحدي الأكبر أمام حكومات جنوب آسيا يكمن في تطوير أنظمة إنذار مبكر فعّالة، وتحسين البنية التحتية، وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي لمواجهة آثار التغير المناخي، كما أن المجتمع الدولي مدعو لتوفير دعم مالي وتقني، لمساعدة هذه الدول على تعزيز قدرتها على الصمود أمام الكوارث.

تؤكد مأساة دارجيلينغ وإيلام أنّ موسم الأمطار في جنوب آسيا لم يعد مجرد دورة طبيعية، بل أصبح مرادفًا لكوارث إنسانية تتكرر سنويًا، إن لم تُعالج الأسباب الجذرية المرتبطة بتغير المناخ، ولم تُعزز أنظمة الحماية والوقاية، فإنّ هذه الكوارث مرشحة لأن تصبح أكثر تدميرًا، تهدد حياة الملايين ومستقبل الأجيال المقبلة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية