المسلمون واليهود تحت نيران الكراهية.. تصاعد الاعتداءات يهدد وحدة المجتمع البريطاني
المسلمون واليهود تحت نيران الكراهية.. تصاعد الاعتداءات يهدد وحدة المجتمع البريطاني
أفادت الشرطة البريطانية بأنها تحقق في حريق متعمد بدأ، مساء السبت الماضي، أمام مسجد في مدينة بيشاهفن الساحلية، بعد أن أظهرت لقطات مراقبة شخصين ملثمين يصبان مادة قابلة للاشتعال عند مدخل المسجد ثم يضرمون النار، ما تسبب بأضرار كبيرة في المدخل وسيارة متوقفة قبل أن يخمدها رجال الإطفاء، دون وقوع إصابات جانبية، وتحولت القضية إلى تحقيق جنائي يُعامل كجريمة كراهية مع إطلاق شرطة ساسكس عملية تحقيقية موسعة ونشر صور المشتبه بهما لدعوة الجمهور للمساعدة في القبض عليهما.
وقعت الحادثة في سياق متوتر شهدته بريطانيا خلال الأيام الأخيرة، بعد هجوم مميت استهدف كنيساً في مانشستر قبل أيام، وهي تواريخ وأحداث عززت حالة القلق بين الطوائف الدينية المختلفة وأدت إلى رفع درجات التأهب الأمني حول دور العبادة، المزيج من هجمات فردية وعنف متناثر في الشوارع، بالإضافة إلى توترات سياسية واجتماعية مرتبطة بالصراعات الدولية، شكل بيئة مواتية لتفاقم الاعتداءات ذات الطابع الديني وفق رويترز.
ما الذي يفسر تصاعد مثل هذه الهجمات؟
أسباب تصاعد جرائم الكراهية الدينية مركبة وتتداخل فيها عوامل محلية ووطنية ودولية. سياسياً واجتماعياً، أسهمت الاحتجاجات المتكررة وقضايا الهجرة والأزمة في الشرق الأوسط في تصاعد الخطاب الاستقطابي، في حين لعبت منصات التواصل دوراً في تضخيم السرديات العدائية ونشر خطابات تحريضية أو مشوهة عن مجموعات دينية معينة، كما أن الضائقة الاقتصادية والاجتماعية لدى بعض الفئات تُترجم في أحيان كثيرة إلى توجهات بحثية عن كبش فداء، ما يزيد من احتمال استهداف الأقليات، ورصدت تقارير منظمات حقوقية ومحلية موجات عنف واستهداف لمؤسسات دينية ومساكن مهاجرين خلال الأشهر الماضية، ما يعكس نمطاً أوسع من المخاطر الأمنية للمجتمعات الدينية بحسب أسوشيتدبرس.
الأبعاد الإحصائية: مؤشرات صعودية مثيرة للقلق
تشير الإحصاءات الرسمية في بريطانيا إلى ارتفاع واضح في جرائم الكراهية الدينية في الأعوام الأخيرة: فقد سجّلت قوات الشرطة في إنجلترا وويلز ارتفاعاً بنسبة كبيرة في عدد القضايا الدينية، مع تسجيل أكثر من عشرة آلاف واقعة كراهية دينية في سنة معينة وفق بيانات سابقة، وكان جزء كبير منها موجهاً ضد المسلمين واليهود على نحو يواكب التوترات الدولية، كما رصدت منظمات متخصّصة مثل مركز الأمن المجتمعي (CST) أعداداً ملحوظة من حوادث معادية للسامية خلال 2024 والنصف الأول من 2025، وهذه الأرقام توضح أن الحوادث المعزولة يمكن أن تتطور إلى اتجاهات مؤسسية مؤذية للتماسك الاجتماعي إذا لم يُتصدى لها سياسياً وقانونياً.
ردود الفعل الرسمية والمجتمعية والمؤسسية
أدانت هيئات حكومية ومحلية الحادثة، وناشدت قوى الأمن والجمهور التعاون لكشف مرتكبيها، في حين دعا زعماء دينيون وممثلون عن المجلس الإسلامي ومنظمات يهودية إلى التضامن والوحدة ورفض خطاب الكراهية، وطالب المجلس البريطاني للمسلمين بتحقيق سريع وحماية مشددة للأماكن الدينية، وممثلون من الجالية اليهودية أعربوا بدورهم عن إدانة الحادث ودعوتهم إلى التضامن بين الطوائف، كما حمّلت منظمات حقوقية وطنية ودولية السلطات مسؤولية تأمين أماكن العبادة والبحث في أي أسباب بنيوية لتزايد هذه الحوادث.
القانون الدولي والإطار القانوني الوطني
قانونياً، تُجرَّم الأفعال المُعرَّضة لإثارة الكراهية الدينية في المملكة المتحدة بموجب أحكام مثل أجزاء من قانون النظام العام لعام 1986 التي تتناول تحريض الكراهية على أسس العرق أو الدين، ويوجد توجيه إداري من هيئة الادعاء العام (CPS) بشأن ملاحقة جرائم الكراهية الدينية ومعاملتها باعتبارها جرائم ذات أولوية، وعلى المستوى الدولي، تلتزم الدول باتفاقيات مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمواد المتعلقة بحرية الدين والمعتقد، التي تلزم الدول بحماية الحق في العبادة ومنع الاعتداءات والمحافظة على حرية الأديان، وهذا التوازن بين حماية حرية التعبير ومنع التحريض على الكراهية يمثل تحدياً تشريعياً وإنفاذياً قائماً.
تداعيات إنسانية واجتماعية
لهذه الحوادث تأثيرات فورية على الأمن الشخصي والحياة الدينية للمجتمعات المستهدفة: شعور بالخوف ومنع الناس من أداء شعائرهم بحرية، وارتفاع الطلب على الحماية الأمنية للمؤسسات الدينية، وتفاقم عزلة الأقليات، وهذه النتائج لا تؤثر فقط في الضحايا المباشرين، بل تهدّد النسيج الاجتماعي الوطني، إذ تؤدي إلى تآكل الثقة بين جيران بدا أنهم يعيشون سوية لسنوات، وتغذية رواسب عدائية قد تُستغل سياسياً، وعززت تقارير حقوقية دولية هذه المخاوف وربطت بين ارتفاع العنف الموجّه للمجموعات الدينية وتصاعد خطاب الكراهية في الفضاء العام وفق هيومن رايتس ووتش.
خلاصة تحليلية وخيارات المتابعة
حادثة بيشاهفن في بريطانيا تكشف عن تقاطع أمني وقانوني واجتماعي؛ هي نتاج توترات محلية أضيف إليها احتقان دولي وموجات تضخيم عبر وسائل التواصل، أولاً: التحقيق الجنائي الكامل وتقديم مرتكبي الجريمة إلى العدالة ضروريان لكبح عنصر الإفلات من العقاب، ثانياً: حماية أماكن العبادة عبر حضور أمني مناسب وتنسيق مع المجتمع المدني بات مطلباً عملياً، لكن ذلك وحده لا يكفي إذا لم يصحبه تعزيز برامج مواجهة خطاب الكراهية والوقاية المجتمعية والتعليم، كما تقترح أطر الأمم المتحدة ومنظمات دولية لمعالجة خطاب الكراهية عبر التعليم والإعلام، أخيراً: تتطلّب الاستجابة توازناً دقيقاً بين حماية الحريات الأساسية ومكافحة التحريض، مع التزام الدولة بواجباتها الدولية في حماية حرية الدين والمعتقد.