انهيار مشروع نيفادا الشمسي.. ضربة جديدة لحق الإنسان في مستقبل طاقة عادل

بعد قرار الإدارة الأمريكية بالإلغاء

انهيار مشروع نيفادا الشمسي.. ضربة جديدة لحق الإنسان في مستقبل طاقة عادل
ألواح طاقة شمسية - أرشيف

تحوّل الأمل إلى جدل حقوقي بيئي واسع في قلب صحراء نيفادا، بعد أن تحركت الإدارة الأمريكية لإلغاء مشروع “إزميرالدا 7” الذي كان سيصبح أكبر مزرعة للطاقة الشمسية في أمريكا الشمالية بقدرة 6.2 جيجاواط؛ أي ما يكفي لتغذية نحو مليوني منزل بالطاقة النظيفة.

لم يكن القرار الذي اتخذه مكتب إدارة الأراضي الأمريكي أواخر الأسبوع الماضي مجرد إجراء إداري، بل صدمة حقوقية، فالمشروع، المدعوم من NextEra Energy، يُعدّ جزءًا من التحول الهيكلي الذي بدأته إدارة بايدن نحو اقتصاد خالٍ من الانبعاثات، قبل أن تعود إدارة ترامب وتلغيه تحت ذريعة "إعادة تقييم الجدوى البيئية".

تقول صحيفة “فايننشيال تايمز”: “تكمن عودة صريحة لسياسات الوقود الأحفوري التي أعادت وزارة الداخلية الأمريكية فتح بابها على مصراعيه أمام شركات النفط والغاز، مقابل تشديد الخناق على مشاريع الطاقة المتجددة”.

انتكاسة في معركة المناخ

وبحسب تقرير نشرته اليوم صحيفة "الغارديان"، فإن قرار الإلغاء يأتي في وقت حساس للغاية، إذ تواجه الولايات المتحدة ارتفاعًا حادًا في الطلب على الطاقة بفعل توسع مراكز البيانات الضخمة التي تغذي الذكاء الاصطناعي وكهرباء النقل والمنازل.

وبينما كان يُفترض أن تمثل الطاقة الشمسية أحد الحلول المستدامة، فإن الإلغاء يقوّض الالتزامات الأمريكية بخفض الانبعاثات بنسبة 50% بحلول 2030 وفق اتفاق باريس.

وصف الحقوقيون القرار بأنه "نكسة لحق الإنسان في بيئة نظيفة وصحية"، معتبرين أن تعطيل مشاريع الطاقة النظيفة يرقى إلى إخلال بالتزامات الولايات المتحدة الدولية في مجال العدالة المناخية.

تقول الباحثة البيئية في جامعة كولورادو، جيسيكا رينولدز، لصحيفة "الغارديان": "عندما تُلغى مشاريع طاقة شمسية بهذا الحجم، لا نخسر فقط القدرة الإنتاجية، بل نخسر سنوات من الثقة والاستثمار في التحول العادل للطاقة".

الوجه الإنساني للأزمة

من جانبها توضح صحيفة "بوليتيكو" أن الأمر يتجاوز البنية التحتية إلى البعد الحقوقي والاجتماعي، إذ كانت مئات الوظائف المرتبطة بالمشروع ستمنح مجتمعات نيفادا فرصًا اقتصادية مستدامة، خصوصًا في المناطق المتأثرة تاريخيًا بتلوث الوقود الأحفوري.

كما أن المشروع كان سيسهم في تحسين جودة الهواء وتقليل الاعتماد على الفحم، ما يعني تقليص معدلات الأمراض التنفسية المزمنة في المناطق الفقيرة؛ بمعنى أن إلغاء المشروع لا يؤثر فقط في المناخ، بل في حقوق المجتمعات المحلية في الصحة والتنمية والعدالة البيئية.

ويشير محللون إلى أن "العدالة المناخية" ليست شعارًا سياسيًا، بل التزام قانوني متنامٍ تُحمّل به الدول مسؤولية أفعالها أمام مواطنيها والعالم.

تقول "فايننشيال تايمز" إن وزير الداخلية دوغ بورغوم أعاد خلال الأشهر الماضية تسريع تراخيص مشاريع الوقود الأحفوري، بالتوازي مع "تجميد" مشاريع الطاقة الشمسية والرياح الكبرى.

وفي أبريل الماضي، أمرت الوزارة شركتي إكوينور وأورستيد بتعليق أعمال بناء مزارع الرياح البحرية في نيويورك، قبل أن تسمح باستئنافها لاحقًا تحت ضغط المجتمع المدني والمستثمرين.

خلقت هذه القرارات المتقلبة مناخًا من عدم اليقين القانوني، ما دفع مستثمرين إلى إعادة النظر في مشاريع طاقة نظيفة تتجاوز قيمتها 40 مليار دولار.

ويحذر خبراء من أن استمرار هذا النمط يعني إضعاف حق الأجيال القادمة في التنمية المستدامة، وتحويل التحول الأخضر إلى رهينة للتجاذبات السياسية قصيرة المدى.

ووفقًا لتصريحات نائب رئيس رابطة صناعات الطاقة الشمسية، بن نوريس، لـ"فايننشيال تايمز" فإن الإدارة الحالية "تنتهك القانون على حساب المستهلكين والشبكة الكهربائية والقدرة التنافسية الاقتصادية لأمريكا" مؤكداً أن الولايات المتحدة بحاجة ماسة إلى مزيد من الطاقة على الشبكة، لا إلى قرارات توقف مسيرة التحول.

الحق في الطاقة النظيفة

يسلط هذا الموقف الضوء على "الحق في الطاقة النظيفة"، وهو مبدأ بات يُناقش في أروقة الأمم المتحدة بصفته مكوّناً أساسياً للحق في بيئة سليمة، وفي حين ترى إدارة ترامب أن قراراتها تحمي الاقتصاد، يؤكد باحثون أن إلغاء المشاريع الكبرى للطاقة المتجددة يتعارض مع الحق في التنمية والعدالة المناخية المنصوص عليهما في المواثيق الدولية.

بينما أكدت شركة NextEra Energy التزامها بمواصلة التعاون مع مكتب إدارة الأراضي لإجراء "تحليل بيئي شامل"، فإن الغموض يخيّم على مستقبل المشروع، 

وفي الوقت ذاته، تتصاعد الدعوات داخل الكونغرس وخارجه لإعادة النظر في السياسات المناهضة للطاقة المتجددة، بوصفها مسألة حقوق إنسان لا تقل أهمية عن أي ملف اجتماعي أو اقتصادي.

لذلك، فإن إلغاء مشروع نيفادا لا يمثل مجرد انتكاسة في سجل الطاقة المتجددة الأمريكي، بل محطة اختبار كبرى لالتزام الولايات المتحدة بحق الإنسان في بيئة نظيفة، وفي مستقبل طاقة عادل ومنصف.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية