تقرير دولي: الاعتماد على الوقود الأحفوري يهدد صحة الإنسان ويقوّض التنمية المستدامة
تقرير دولي: الاعتماد على الوقود الأحفوري يهدد صحة الإنسان ويقوّض التنمية المستدامة
حذر تقرير عالمي جديد من أن الاعتماد المفرط على الوقود الأحفوري والفشل في التكيف مع عالم يشهد ارتفاعاً متسارعاً في درجات الحرارة، يؤديان إلى أضرار مدمرة لصحة الإنسان ويقوّضان جهود التنمية المستدامة.
وأكد التقرير، الصادر اليوم الأربعاء عن مبادرة "لانسيت كاونت داون حول الصحة وتغير المناخ" بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، أن حماية صحة الناس يجب أن تكون المحرك الأقوى للعمل المناخي، محذّراً من أن التقاعس عن مواجهة أزمة المناخ بات يكلف الأرواح ويثقل كاهل النظم الصحية ويضعف الاقتصادات وفق موقع أخبار الأمم المتحدة.
وخلص التقرير إلى أن 12 من أصل 20 مؤشراً رئيسياً لتتبع التهديدات الصحية الناتجة عن تغير المناخ وصلت إلى مستويات قياسية هذا العام، في إشارة إلى تسارع التأثيرات الخطيرة على حياة البشر.
وقال الدكتور جيريمي فارار، المدير العام المساعد في منظمة الصحة العالمية، إن "أزمة المناخ هي أزمة صحية في المقام الأول"، مضيفاً أن "كل جزء من درجة حرارة الاحترار يكلف أرواحاً وسبل عيش".
وأوضح أن التقاعس المناخي "يقتل الناس الآن في جميع البلدان"، لكنه شدد في المقابل على أن "العمل المناخي هو أيضاً أعظم فرصة صحية في عصرنا"، مشيراً إلى أن الهواء النظيف، والنظم الغذائية الصحية، والمجتمعات القادرة على التكيف يمكن أن تنقذ ملايين الأرواح اليوم وتحمي الأجيال المقبلة.
أرقام تعكس حجم الخطر
أظهرت نتائج التقرير ارتفاع معدل الوفيات المرتبطة بالحرارة بنسبة 23 في المئة منذ التسعينيات، ليصل إلى نحو 546 ألف وفاة سنوياً في المتوسط، كما ارتبطت موجات الجفاف والحرارة الشديدة بزيادة عدد من يواجهون انعداماً في الأمن الغذائي إلى أكثر من 124 مليون شخص عام 2023.
وأشار التقرير إلى أن التعرض للحرارة تسبب في فقدان 640 مليار ساعة عمل محتملة خلال عام 2024، ما يعادل خسائر إنتاجية بقيمة 1.09 تريليون دولار، في حين بلغت تكاليف الوفيات المرتبطة بالحرارة بين كبار السن 261 مليار دولار.
وفي الوقت ذاته، أنفقت الحكومات نحو 956 مليار دولار على دعم الوقود الأحفوري خلال عام 2023، وهو ما يزيد بثلاثة أضعاف على التمويل السنوي المخصص لمساعدة البلدان الأكثر عرضة لتغير المناخ. كما أن 15 دولة أنفقت على دعم الوقود الأحفوري أكثر مما أنفقته على ميزانياتها الصحية الوطنية بالكامل.
فرص التحول والعمل
من جانبها، أكدت الدكتورة مارينا رومانييلو، المديرة التنفيذية لمبادرة "لانسيت كاونت داون" بجامعة كوليدج لندن، أن العالم يمتلك بالفعل الحلول لتجنب كارثة مناخية، مشيرة إلى أن "المدن والمجتمعات المحلية حول العالم تثبت أن التقدم ممكن، من خلال التوسع في الطاقة النظيفة وتكييف البنى التحتية مع المناخ".
وقالت إن التحول إلى أنظمة غذائية أكثر صحة وصديقة للمناخ، وإلى زراعة أكثر استدامة، يمكن أن يقلل بشكل كبير من التلوث والانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري، ومن شأنه إنقاذ أكثر من عشرة ملايين حياة سنوياً.
وأضافت أن "التخلص التدريجي والسريع من الوقود الأحفوري لصالح الطاقة المتجددة واستخدام الطاقة بكفاءة يظل أقوى محرك لإبطاء تغير المناخ وحماية الأرواح".
نحو مؤتمر بيليم للمناخ
ويأتي صدور التقرير قبيل انعقاد مؤتمر الأطراف الثلاثين حول تغير المناخ (COP30) المقرر في مدينة بيليم بالبرازيل العام المقبل، حيث يشكل التقرير قاعدة علمية مهمة لتسريع العمل المناخي الذي يضع صحة الإنسان في صميم أولوياته.
وأعلنت منظمة الصحة العالمية أنها ستبني على هذه النتائج من خلال تقرير خاص ستقدمه إلى المؤتمر، يسلط الضوء على السياسات والاستثمارات اللازمة لحماية الصحة والعدالة المناخية، تمهيداً لاعتماد "خطة عمل بيليم" التي يُتوقع أن تكون إحدى أبرز مخرجات المؤتمر المقبلة.
أُطلقت مبادرة "لانسيت كاونت داون حول الصحة وتغير المناخ" عام 2015، وتضم شبكة من المؤسسات الأكاديمية والمنظمات الدولية، منها منظمة الصحة العالمية، لمتابعة العلاقة بين التغير المناخي والصحة العامة عبر مؤشرات علمية سنوية.
ويهدف التقرير إلى دفع الحكومات نحو وضع الصحة في صميم العمل المناخي، باعتبار أن تحسين جودة الهواء، والتحول إلى أنظمة غذائية مستدامة، والاستثمار في الطاقة المتجددة، ليست فقط إجراءات بيئية، بل حلول صحية واقتصادية قادرة على إنقاذ الأرواح وبناء مجتمعات أكثر مرونة وعدلاً.











