احتجاجات المعلمين.. صرخة ضد التمييز وتفكك العدالة الوظيفية في سوريا
احتجاجات المعلمين.. صرخة ضد التمييز وتفكك العدالة الوظيفية في سوريا
تتسع في سوريا دائرة الاحتجاجات الاجتماعية في وقتٍ تتآكل فيه الثقة بين المواطنين ومؤسسات الحكومة المؤقتة، فبين معلمين خرجوا يطالبون بحقوقهم الأساسية في الشمال، وموظفين مفصولين تعسفياً في الساحل، تتكشف أزمة بنيوية عميقة تُظهر حجم الانقسام الإداري والاجتماعي، وتعيد طرح تساؤلات حول غياب العدالة وتسييس الوظيفة العامة في بلد أنهكته الحرب والانقسام.
تجدّدت الاحتجاجات في شمال سوريا، حيث نظّمت نقابة المعلمين السوريين الأحرار وقفة جديدة أمام مديرية التربية في مدينة حلب، التابعة للحكومة المؤقتة ، بحسب ما ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، اليوم الأربعاء.
وجاءت هذه الخطوة بعد أشهر من المطالبات التي لم تلقَ استجابة حقيقية، وفي مقدمتها التثبيت الوظيفي، إعادة المفصولين، وتحقيق العدالة في الرواتب.
وعلى الرغم من مرور عشرة أشهر على ما وصفته النقابة بـ "تحرير البلاد من النظام السابق"، فلا تزال معاناة الكوادر التعليمية مستمرة وسط تراجع الرواتب وتزايد الضغوط المعيشية.
طلبات النقل قيد الدراسة
أكدت بيانات رسمية صادرة عن مديرية التربية أن الرواتب تُصرف بانتظام وأن طلبات النقل قيد الدراسة، لكن شهادات ميدانية من داخل المدارس تكشف واقعاً مختلفاً؛ فالمعلمون يتحدثون عن بيئة عمل منهكة، ونقص في الموارد، ووعود مؤجلة لا تجد طريقها للتنفيذ.
وشهدت مدن عدة مثل إعزاز ودارة عزة وعندان مظاهرات متكررة في الأسابيع الماضية، ما يعكس اتساع الهوة بين المعلمين والإدارة التعليمية، ويكشف عن أزمة ثقة تتجاوز القطاع التربوي لتشمل مجمل العلاقة بين المواطنين والحكومة المؤقتة.
وفي المقابل، شهدت مناطق الساحل السوري، وتحديداً طرطوس واللاذقية وجبلة، سلسلة من القرارات التي وُصفت بأنها "تعسفية"، إذ تم فصل نحو 600 موظف منذ مطلع أكتوبر الجاري، معظمهم من أبناء الطائفة العلوية، بحسب ما أفاد المرصد السوري.
وأدّت هذه الإجراءات إلى حالة من الاحتقان الاجتماعي، خاصة بعد أن تسبب فصل العاملين في محطات ضخ المياه بطرطوس في انقطاع الإمدادات عن قرى كاملة، في حين طالت القرارات مؤسسات حيوية مثل مؤسسة البناء وبلدية اللاذقية ومعمل الغزل والنسيج في جبلة.
تحركات ذات طابع تمييزي
أثارت قرارات نقل أكثر من 108 معلمين من بانياس إلى مناطق توصف بأنها "حساسة أمنياً وطائفياً"، مثل قلعة المرقب، مخاوف من أن تكون هذه التحركات ذات طابع عقابي وتمييزي.
ويرى مراقبون أن هذه السياسات قد تؤدي إلى تفكيك النسيج الاجتماعي في الساحل، وإضعاف الكفاءات المحلية في المؤسسات العامة في وقت تحتاج فيه الدولة إلى تعزيز التماسك والتضامن المجتمعي أكثر من أي وقت مضى.
ويتفق محللون ومراقبون على أن ما يجري في الشمال والساحل السوريين لا يُعدّ مجرد خلافات إدارية، بل هو تعبير عن أزمة ثقة متجذرة بين السلطة والمجتمع. فالمعلمون في الشمال يواجهون تسويفاً متكرراً في حقوقهم، في حين يعاني الموظفون في الساحل من قرارات فصل ونقل تفتقر إلى المعايير الواضحة.
غياب آليات المحاسبة
تتصاعد في الأوساط النقابية والمدنية أصوات تطالب بفتح تحقيقات شفافة في قرارات الفصل والنقل، ومحاسبة المسؤولين عن التجاوزات التي طالت المعلمين والموظفين.
ويؤكد ناشطون أن هذه المطالب لم تعد إدارية فقط، بل أصبحت قضية كرامة وعدالة اجتماعية، تعكس حاجة السوريين إلى بناء مؤسسات تعتمد على الكفاءة لا الولاء، وعلى الشفافية لا المحسوبية.
وفي ظل هذا المناخ المشحون، تبدو الحكومة المؤقتة أمام اختبار مصيري.. إما أن تستعيد ثقة الشارع من خلال قرارات جريئة تعيد الاعتبار للكوادر الوطنية، أو أن تستمر في دورة الإقصاء التي تهدد بمزيد من الانقسام الاجتماعي والإداري في بلد لم يتعافَ بعد من جراحه.