وقفة احتجاجية رمزية.. نساء تونسيات يتحدّين الفقر أمام مقر الحكومة
وقفة احتجاجية رمزية.. نساء تونسيات يتحدّين الفقر أمام مقر الحكومة
أحيت ناشطات تونسيات اليوم العالمي لمناهضة الفقر بتنظيم وقفة احتجاجية رمزية أمام قصر الحكومة بالقصبة، عبّرن خلالها عن غضبهن من تفاقم تفقير النساء واستمرار التهميش الاقتصادي والاجتماعي في البلاد، وسط تصاعد الأعباء المعيشية وتراجع الخدمات الأساسية.
وأظهرت الإحصائيات الرسمية أن نسبة الفقر في تونس بلغت 16.6%، في حين قدّر البنك الدولي أن نحو 29% من التونسيين يعيشون تحت خط الفقر، محذرًا من ارتفاع هذه النسبة إذا استمر تدهور الأوضاع الاقتصادية.
ومنذ الثورة التونسية عام 2011، تدهورت الطبقة المتوسطة تدريجيًا نحو الفقر، نتيجة غياب الاستقرار السياسي وتكرار الحكومات وتراكم القروض، رغم وعود السلطة الحالية بتحسين الوضع المعيشي وسداد الديون الخارجية.
احتجاج نسوي في القصبة
نظّمت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات بالتعاون مع "المسيرة العالمية للمرأة – تنسيقية تونس" الوقفة الاحتجاجية، أمس الجمعة، ورفعت المشاركات شعارات تطالب بالعدالة الاجتماعية والبيئية والجندرية، مؤكدات أن معركة الحقوق في تونس مستمرة ولن تتراجع رغم الصعوبات الاقتصادية.
وشددت المشاركات على أن العدالة حق إنساني يجب ألا يبقى شعارًا، بل ينبغي أن يتحقق عبر سياسات فعلية تضمن المساواة وتكافؤ الفرص.
وعبّرن عن تضامنهن مع سكان ولاية قابس، الذين يعانون منذ عقود من التلوث الناتج عن المجمع الكيميائي، والذي أدى إلى تفشي الأمراض السرطانية وتحول المنطقة إلى ما يشبه “منطقة منكوبة بيئيًا”.
“تأنيث الفقر” وتجاهل المعاناة
أكدت رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات رجاء الدهماني أن الوقفة جاءت لتسليط الضوء على "تأنيث الفقر"، واستمرار حرمان النساء من الأدوية الحيوية، إلى جانب مشكلات النقل والتشغيل الهش الذي تعاني منه العاملات، خصوصًا الفلاحات.
وذكّرت بحادثة وفاة الشابة "سمر" ذات الـ22 عامًا في أحد المصانع نتيجة تعطل المصعد، معتبرة أن غياب إجراءات السلامة المهنية يمثل تقصيرًا تتحمل الدولة مسؤوليته المباشرة.
ودعت الدهماني إلى مراجعة ميزانية الدولة الجديدة وتخصيص موارد إضافية لقطاعات الصحة والتعليم والنقل والثقافة، بوصفها ركائز ضرورية لرفع الوعي وتحقيق العدالة الاجتماعية.
التلوث ومعاناة قابس
سلّطت المشاركات الضوء على الأزمة البيئية الخانقة التي تعانيها ولاية قابس، حيث دمّر التلوث الناتج عن المجمع الكيميائي الأخضر واليابس، وتسبب في تفشي أمراض خطرة، ما دفع الناشطات إلى الدعوة لتدخل عاجل من الدولة لوقف ما وصفنه بـ“التخبط البيئي والصحي” وإنقاذ السكان من المخاطر المحدقة.
وأكدن أن الحراك الاجتماعي في قابس يمثل صرخة في وجه الإهمال الرسمي والتمييز الجهوي.
وطالبت عضوة الجمعية آسيا بلحسن بتمكين النساء من استغلال الأراضي الدولية لإقامة مشاريع تنموية، مؤكدة أن "النساء هن من تعمّرن الأرض ويعملن فيها، ومن حقهن الاستفادة من خيراتها".
وشددت على ضرورة دعم الفلاحات والكادحات في معركتهن ضد الفقر والجوع، معتبرة أن التنمية الحقيقية تبدأ من تمكين النساء في الريف.
نداء لإصلاحات عادلة
اعتبرت الأستاذة الجامعية والمختصة في علم الاجتماع فتحية السعيدي أن الوقفة تمثل جزءًا من معركة طويلة من أجل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
وأكدت أن تفاقم نسب الفقر وانهيار الخدمات الصحية والتعليمية دليل على الحاجة الملحة لإصلاحات شاملة تضع العدالة الجندرية والمساواة بين الجهات ضمن أولوياتها.
وانتقدت السعيدي لجوء السلطات إلى المعالجة الأمنية للاحتجاجات السلمية في قابس، مشيرة إلى أن استخدام الغاز المسيل للدموع يزيد من الاحتقان الاجتماعي، في وقت يعاني فيه المرضى من نقص الأدوية، خاصة لمرضى السرطان الذين يلجؤون إلى القضاء للحصول على العلاج.
أعباء اقتصادية واجتماعية
أوضحت الصحفية منية كواش أن النساء في تونس هن الفئة الأكثر فقرًا رغم تفوقهن الأكاديمي، إذ يتحملن أعباء اقتصادية واجتماعية قاسية دون الحصول على حقوقهن كاملة.
وانتقدت استمرار تهميش العاملات في المصانع والقطاع الفلاحي، حيث يتعرضن للتحرش وسوء المعاملة ويخشين المطالبة بحقوقهن خوفًا من فقدان مصدر رزقهن الوحيد.
وجددت المشاركات في نهاية الوقفة الدعوة إلى اعتماد سياسات اقتصادية تراعي العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص بين الجنسين، مؤكدات أن محاربة الفقر لا يمكن أن تتحقق دون إنصاف النساء وإشراكهن الفعلي في التنمية وصنع القرار.