مراكز شبه خاوية.. عام على التجربة الإيطالية لنقل المهاجرين إلى ألبانيا

مراكز شبه خاوية.. عام على التجربة الإيطالية لنقل المهاجرين إلى ألبانيا
مركز المهاجرين الإيطالي في ألبانيا

مرّ عام كامل على افتتاح المركزين الإيطاليين لاستقبال المهاجرين في ألبانيا، المشروع الذي روّجت له رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني باعتباره "حلًا مبتكرًا" لأزمة الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط، لكنه تحوّل اليوم إلى رمز للفشل الإداري والسياسي، بعدما باتت المراكز شبه خالية إثر قرارات قضائية أبطلت إجراءات الاحتجاز.

وفي السادس عشر من أكتوبر عام 2024، وصلت أول سفينة تابعة للبحرية الإيطالية إلى ميناء شينجين الألباني، وعلى متنها 16 مهاجرًا، في مشهد احتفالي أرادت ميلوني من خلاله أن تُظهر نجاح سياستها الجديدة في "نقل مراكز اللجوء إلى خارج حدود الاتحاد الأوروبي"، بحسب ما ذكر موقع "مهاجر نيوز"، الخميس.

لكن خلال 48 ساعة فقط، انهارت الصورة الرمزية. فقد أمر القضاء الإيطالي بإطلاق سراح جميع المهاجرين، معتبرًا أن احتجازهم في دولة غير عضو في الاتحاد الأوروبي ينتهك قوانين اللجوء الأوروبية، التي تشترط بقاء المهاجرين داخل أراضي الاتحاد أثناء دراسة طلباتهم.

قرارات تُفشل الخطة

أكدت مصادر قضائية في روما لوكالة فرانس برس، أن المحكمة استندت في حكمها إلى عدم توافق قائمة "الدول الآمنة" المعتمدة من الحكومة الإيطالية مع المعايير الأوروبية، إذ شملت دولًا مثل مصر وبنغلاديش، التي لا تُعتبر آمنة لجميع مواطنيها.

وبناءً على هذا القرار، تمت إعادة المهاجرين إلى الأراضي الإيطالية، وتحولت المراكز الجديدة في شينجين وقرية جادير شمال ألبانيا إلى منشآت شبه مهجورة.

وخلال عام كامل، لم يُنقل إليهما سوى 132 مهاجرًا فقط، أُعيد 32 منهم إلى بلدانهم الأصلية بأحكام قضائية، في حين أُفرج عن الباقين أو أُعيدوا إلى إيطاليا، لتتحول المراكز إلى عبء مالي وسياسي على الحكومة الإيطالية.

خطة بلا مردود

أنشأت روما المركزين بموجب اتفاق ثنائي مع ألبانيا، ينص على أن الأراضي ألبانية، لكن الإدارة والتشغيل والتمويل بالكامل إيطالي.

وقدّمت الحكومة المشروع على أنه "نموذج مبتكر" لمواجهة الارتفاع الكبير في أعداد المهاجرين القادمين عبر المتوسط، بعد أن وصل عددهم عام 2023 إلى أكثر من 150 ألف شخص.

وكانت الفكرة أن يُنقل المهاجرون الذين تُعترض قواربهم إلى المراكز الألبانية لإجراء فحص سريع لهوياتهم وطلبات لجوئهم، ومن ثم إعادتهم إلى أوطانهم إن رُفضت الطلبات.

لكن الخطة تحولت إلى كابوس بيروقراطي بعد صدور الأحكام الأوروبية التي اعتبرت الاحتجاز في دول خارج الاتحاد غير قانوني.

رفض النهج الإيطالي

أصدرت محكمة العدل الأوروبية في أغسطس 2025 حكمًا وصفه القانونيون بأنه "ضربة قاصمة" للمشروع الإيطالي، حيث أكدت أن الدول الأعضاء لا يمكنها نقل مسؤولياتها القانونية خارج حدود الاتحاد عبر اتفاقات ثنائية، حتى لو كانت تهدف إلى الحد من الهجرة.

ورأت المحكمة أن تصنيف الدول الآمنة يجب أن يستند إلى معايير شفافة ومصادر معترف بها دوليًا، مشددة على أن الاحتجاز في دول غير أوروبية يشكل انتهاكًا لحقوق الإنسان.

وردّت ميلوني بغضب على الحكم، ووصفت القرار بأنه "تدخل قضائي في السياسة"، معتبرة أنه يُضعف قدرة الحكومات الأوروبية على حماية حدودها، لكن خبراء قانونيين في روما أكدوا أن الاستمرار في المشروع بات "شبه مستحيل من الناحية التقنية"، بسبب تضارب النصوص الأوروبية مع الاتفاق الإيطالي الألباني.

انتقادات حقوقية ومخاوف

وثّقت منظمات حقوقية إيطالية وأوروبية ما وصفته بـ"الظروف القاسية" داخل مراكز الاحتجاز الألبانية، فقد سجل تقرير بعنوان "جروح على الحدود" أكثر من 20 حالة إيذاء للنفس وتسع محاولات انتحار، مشيرًا إلى أن المهاجرين يعيشون في عزلة تامة مع صعوبة الوصول إلى محامين أو مترجمين أو أطباء.

وقال المحامي جيانفرانكو شيافوني، أحد أبرز المدافعين عن حقوق المهاجرين، إن المحتجزين يعيشون في "صندوق أسود مغلق"، وإن السلطات الألبانية ترفض الإدلاء بأي معلومات، في حين تلتزم الجهات الإيطالية الصمت التام.

وأكدت منظمة Action Aid وجامعة باري في تقرير مشترك أن مركز جادير "مكلف وغير فعال"، لافتتين إلى أن الأموال المصروفة لتشغيله تفوق بسبعة أضعاف تكلفة مراكز الاحتجاز داخل الأراضي الإيطالية.

أبعاد سياسية أوروبية

لم تتوقف الانتقادات عند الجانب الحقوقي فقط، بل امتدت إلى أروقة السياسة الأوروبية، ففي البرلمان الأوروبي تُناقش حالياً ما يُعرف بـ"لائحة الإعادة"، وهي مشروع قانون جديد يهدف إلى تأسيس مراكز لجوء خارج حدود الاتحاد، ما قد يحول التجربة الإيطالية –رغم فشلها المبدئي– إلى نموذج أوروبي رسمي في المستقبل.

ويرى المحلل الإيطالي فيليبو فيوري من منظمة "آرشي" أن الخطر الحقيقي هو أن تتحول أوروبا من "قارة اللجوء إلى قارة الإبعاد"، محذرًا من أن ما يحدث في ألبانيا اليوم قد يتكرر في دول أخرى مثل تونس أو ليبيا في المستقبل القريب.

وكشفت صحيفة إيطالية مستقلة أن تكلفة إنشاء وتشغيل المراكز الألبانية تجاوزت مئات الملايين من اليورو، أي ما يعادل سبعة أضعاف كلفة المراكز المحلية.

وأكد النائب المعارض داريو بيلوتشيو أن الحكومة "أنفقت ملايين من أموال دافعي الضرائب على مراكز خاوية"، معتبراً ذلك "دليلًا على فشل ذريع في إدارة أزمة الهجرة".

أما رئيس الوزراء الألباني إدي راما، فقد بدا أكثر حذرًا في تعليقاته، مشيرًا إلى أن "النموذج يحتاج إلى وقت للتقييم، وربما يُعاد تطبيقه في أماكن أخرى، لكن ليس بالضرورة في ألبانيا".

مشهد أوروبي معقد

بعد مرور عام، بات واضحًا أن "التجربة الألبانية" تحولت من مشروع طموح إلى درس سياسي وقانوني حول حدود سياسات الردع الأوروبية.

فما أرادته ميلوني خطوة جريئة للحد من الهجرة، تحوّل إلى جدل قضائي وإنساني مفتوح، يعكس معضلة أوروبا بين حماية حدودها واحترام التزاماتها الحقوقية الدولية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية