حين تغلق الأبواب.. أيتام الجزائر يواجهون الشارع بعد الثامنة عشرة
حين تغلق الأبواب.. أيتام الجزائر يواجهون الشارع بعد الثامنة عشرة
انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر خلال اليومين الماضيين مقطع فيديو صادم، ظهر فيه عدد من الشبان من دار الأيتام بدرارية جنوب العاصمة، يروون لحظة طردهم من مكان نشأتهم بعد بلوغهم سن الثامنة عشرة، امتثالاً لقانون يمنع بقاء من تجاوز هذا العمر داخل مؤسسات الرعاية.
بعيون يملؤها الخوف والحيرة، تحدث الشبان عن واقعهم الجديد قائلين إن بعضهم أصبح فعلاً في الشارع، فيما ينتظر آخرون الدور ذاته خلال أسابيع.. قال أحدهم بصوت مرتجف: "لا بيت لدينا ولا عائلة نعود إليها.. نُطرد ونحن نستعد لامتحان البكالوريا".
وفي الفيديو، وجهوا نداءً مؤثراً إلى الرئيس عبد المجيد تبون: "ألسنا أبناء الوطن؟ لم نختر أن نولد يتامى، فلا تجعلونا غرباء في بلدنا، هناك حتى فتيات يُخرجن بالقوة من المراكز؟".
هل هو قانون بلا قلب؟
طالب الشبان السلطات الجزائرية المختصة بتمديد إقامتهم مؤقتاً إلى حين إيجاد بدائل، مؤكدين أن بعض المراكز الأخرى في الجزائر سمحت بتسوية أوضاع المقيمين فيها، "باستثناء مركز درارية".
وردّ الهلال الأحمر الجزائري، المشرف على الدار، ببيان رسمي أكد فيه أن القوانين واضحة: "قرى الأطفال تستقبل القُصّر فقط ولا يمكنها قانوناً إيواء من تجاوزوا الثامنة عشرة".
ومع ذلك، أشار البيان إلى أن إدارة المركز "وفّرت فرص عمل وسكناً مؤقتاً لعدد من الشباب المغادرين"، لكنه شدد على أن استمرار البالغين داخل الدار "يضر بالمصلحة الفضلى للأطفال الآخرين".
رغم هذا التوضيح، بقيت الانتقادات تتدفق عبر مواقع التواصل، متسائلة عن معنى "المصلحة الفضلى" حين يجد الشاب نفسه فجأة في الشارع بلا مأوى ولا سند.
فراغ قانوني ووجع إنساني
في تصريحات إعلامية أوردتها فضائية العربية يقول المحامي فريد صابري إن المشكلة الحقيقية "ليست في القوانين فحسب، بل في الفراغ الذي يليها"، موضحاً أن التشريع الجزائري يوفر الحماية القانونية للأطفال حتى سن الثامنة عشرة فقط، دون أي مسار انتقالي بعدها.
وأضاف: "هؤلاء الشباب يُجبرون على مغادرة المراكز دون ضمانات للعيش الكريم، مما يجعلهم عرضة للتشرد والاستغلال".
وفي السياق يرى الأخصائي الاجتماعي عمار بلحسن أن ما يحدث "جريمة إنسانية بصمت"، مضيفاً أن "الشاب الذي قضى طفولته في مؤسسة رعاية يحتاج إلى رعاية أكبر عند الخروج منها، لا إلى الباب المغلق".
صرخة مجتمع ومطلب بالكرامة
تحولت قضية "أيتام درارية" إلى حديث الشارع الجزائري، واشتعلت منصات التواصل بعبارات الغضب والتعاطف.
كتب أحد المغردين: "ليسوا مخالفين للقانون، بل ضحاياه".. ودعا آخر إلى اعتبار هؤلاء الشباب "ملفاً وطنياً عاجلاً"، وليس مجرد حادث إداري.
وبعد موجة التضامن، أعلنت وزارة التضامن الوطني نيتها عقد جلسات الأسبوع المقبل لمراجعة القوانين الخاصة بالأيتام بعد سن الرشد، في محاولة لمعالجة هذا الفراغ التشريعي والإنساني الذي ترك مئات الشباب على قارعة الحياة.
بين الرعاية والخذلان
تحتضن الجزائر عشرات دور الأيتام التي تشرف عليها هيئات حكومية وجمعيات، وتوفّر التعليم والرعاية للأطفال المحرومين من العائلة.
لكن مع بلوغ سن الثامنة عشرة، يصبح هؤلاء الشباب قانونياً خارج منظومة الحماية، ليبدؤوا مواجهة العالم دون سند، في وقت يعاني فيه الكثير منهم من ضعف التعليم، وغياب فرص العمل، وهشاشة الدعم الاجتماعي.
ومع كل قصة طرد جديدة، يتكرّر السؤال المؤلم: هل الرشد في الأوراق يعني حقاً أن الإنسان أصبح قادراً على مواجهة الحياة وحده؟
القضية الجزائرية ليست استثناءً؛ فهي مرآة لوضع عربي عام يعاني من ضعف منظومة الرعاية اللاحقة للأيتام. فالكثير من الدول العربية تركز على الطفولة، لكنها تنسى أن هؤلاء الأطفال سيكبرون، وأن الرعاية لا تنتهي عند الثامنة عشرة بل تبدأ من هناك.