غاز ودموع في الإكوادور.. اتهامات باستخدام القوة المفرطة ضد المحتجين السلميين

غاز ودموع في الإكوادور.. اتهامات باستخدام القوة المفرطة ضد المحتجين السلميين
قمع القوات الأمنية للمحتجين في الإكوادور

قالت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير نُشر مؤخرًا إن قوة الشرطة وقوات الأمن في الإكوادور قيدت بشكل ممنهج حق التجمع وواجهت المتظاهرين باستخدام القوة المفرطة في مناسبات عدة، خاصة منذ منتصف سبتمبر 2025، في سياق احتجاجات مناهضة لقرار الرئيس دانيال نوبوا إلغاء دعم وقود الديزل.

ووفق التقرير، فإن السلطات الإكوادورية، استجابة لهذه المظاهرات التي قادتها الجاليات الأصلية وغيرها، اتجهت إلى تعبئة الجيش، واصفة المتظاهرين بـ"الإرهابيين"، مع تجميد حسابات مصرفية للقيادات والمنظمات ذات الصلة، وشن تحقيقات على المدافعين عن البيئة والسكان الأصليين.

قرار مثير وغضب شعبي

في الثاني عشر من سبتمبر الماضي، أعلن الرئيس نوبوا بشكل مفاجئ إلغاء دعم الديزل، وهو دعم تمتد جذوره إلى عقود، ما أدى إلى ارتفاع فورِي في أسعار الوقود بأكثر من 50%، وبرر نوبوا هذا القرار بأن دعم الديزل يكبّد خزينة الدولة نحو 1.1 مليار دولار سنويًا، معتبراً أنه يهدد "استدامة المالية العامة".

أطلق هذا القرار شرارة احتجاجات واسعة بمشاركة اتحاد القوميات الأصلية وحركات عديدة من المزارعين والعمال، الذين رأوا أن القرار يمس قوتهم اليومي وأدوات التنقل والعمل، وفي السادس عشر من سبتمبر، أعلن الرئيس مرسومًا بحالة الطوارئ في سبع مقاطعات، وعطّل الحق في التجمع، مع انتشار القوات المسلحة على الأرض، فُسّر هذا القرار باعتباره ردًّا من الدولة على ما وصفته بـ"اضطرابات داخلية خطيرة" نجم عنها إغلاق طرق ومداخل حيوية.

لاحقًا، مدّد نوبوا نطاق حالة الطوارئ لتشمل عشرة مقاطعات إضافية بموجب مرسوم جديد صدر في 4 أكتوبر، رغم أن المحكمة الدستورية لم تُراجع القرار بعد، ما أثار جدلاً قانونيًا حول مدى المشروعية الدستورية لعمليات التمديد.

منذ بداية ولايته، لجأ نوبوا مرارًا إلى حالتي الطوارئ في شوارع الإكوادور وسجونها، معلناً أن البلاد تواجه "صراعًا مسلحًا داخليًا"، وهو التعبير الذي أثار شكوكا قانونية ودستورية، إذ رأت المحكمة الدستورية أنه لا يبرّر دائمًا استخدام القوات العسكرية على نطاق واسع دون رقابة قضائية.

استخدام القوة المفرطة

راجع باحثو هيومن رايتس ووتش خمسة عشر مقطع فيديوًّا توثق مواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن في الإكوادور، وفي هذه المقاطع، يظهر جنود وضباط شرطة يفرقون احتجاجات سلمية باستخدام الغاز المسيل للدموع، رمي القنابل على الأحياء السكنية، أو إطلاق ذخيرة "أقل فتكًا" بطريقة متهورة ودون تمييز.

في إحدى المشاهد قرب مجتمع هوايكوبونغو في مقاطعة إمبابورا، أُطلقت قنابل الغاز عند مستوى منخفض جدًا باتجاه المنازل، وهو تصرف مخالف لمعايير استخدام الغاز الذي يجب أن يكون خطًّا قوسيًا نحو فضاءات مفتوحة، لا نحو الأحياء السكنية، وفي مشهد آخر في أوتافالو، يُرى ضابط يقف على مسافة قريبة ويطلق قذائف باتجاه متظاهر هارب، ما يعكس استخدامًا غير مبرر للقوة ضد أشخاص لا يمثلون تهديدًا ملموسًا.

ومن بين الضحايا، تفيد التحقيقات بأن إفراين فويريس توفي في 28 سبتمبر في كوتاكاشي (إمبابورا) برصاصة في ظهره، بعد أن أُلقي على الأرض وضرب من قِبل قوات الأمن، وقد فتح مكتب المدعي العام تحقيقًا في الحادثة، وهي إحدى القضايا البارزة التي تُرى كمثال على الانتهاكات الخطيرة المحتملة بحق المتظاهرين.

عدد المعتقلين والبلاغات

بحسب تحالف حقوق الإنسان في الإكوادور، الذي يجمع منظمات وطنية، فقد تلقّى ما لا يقل عن 377 بلاغًا عن انتهاكات حقوق الإنسان خلال الاحتجاجات حتى 18 أكتوبر، أسفرت عن إصابة 296 شخصًا على الأقل ووفاة شخصين. كما أُحصي تفريق مئات المظاهرات واعتقال ما لا يقل عن 205 متظاهرين، ووجهت لبعضهم تهمة الإرهاب.

كما أقدمت السلطات على تجميد الحسابات المصرفية لقادة المنظمات والسكان الأصليين استنادًا إلى تقارير استخباراتية سرية، دون وجود أوامر قضائية واضحة، وأصدر البرلمان قانوناً جديدًا للشفافية الاجتماعية يتيح للحكومة حلّ المنظمات التي ترتكب مخالفات "جسيمة" أو أنشطتها غير مرخّصة، ما يُنظر إليه كمجهود لشل النشاط المدني.

بالإضافة إلى ذلك، أُوقفت موقتًا بعض القنوات الإعلامية المرتبطة بالسكان الأصليين، مثل قناة UHF 47 في كوتوباكسي (TV MICC)، بعلة أنها "أضرت بالأمن القومي"، وذلك لمدة خمسة عشر يومًا، وفق قرار اتخذته هيئة الاتصالات استنادًا إلى تقارير سرية.

ردود الفعل الحقوقية

قالت خوانيتا غوبرتوس، مديرة قسم الأمريكتين في هيومن رايتس ووتش: "ينبغي أن تحترم الحكومة الإكوادورية حق التجمع، وأن تستجيب لمظالم المواطنين في الشوارع، والتحقيق في العنف أمر مشروع، لكن لا مبرر لوصم كل المتظاهرين أو استخدام القوة المفرطة بحق من يحاول الاحتجاج سلمياً".

ودعت المنظمة إلى فتح تحقيقات مستقلة ومحايدة في حالات استخدام القوة المفرطة، ومحاسبة المسؤولين، وضمان الحماية القانونية للمتظاهرين السلميين.

في المنابر الدولية، نُقلت دعوات من الأمم المتحدة، من المفوضية السامية لحقوق الإنسان، ومن جهات معنية بالحريات العامة إلى أن تُراعي الحكومة الإكوادورية معايير القانون الدولي لحقوق الإنسان، خاصة ما يتعلق بحرية التجمع والتعبير، وضرورة أن تكون حالة الطوارئ في إطار دستوري وبما يتوافق مع الالتزامات الدولية.

كما أبدت المنظمات الحقوقية في أمريكا اللاتينية –مثل المقررة الخاصة لمنطقة الأمـريكاس– قلقها من استخدام التشريعات الأمنية لتقييد الحريات بدعوى مكافحة العنف، معتبرة أن بعض الإجراءات التي اتخذتها الحكومة تنتمي إلى "منطق السلطة المفرطة" لا منطوق القانون.

ما يُسمح به وما يُحظَر

وفقًا للقانون الدولي لحقوق الإنسان، تملك الحكومات الحق في تقييد بعض الحقوق (كالتجمع أو التعبير) لكن بشروط صارمة: أن تكون التقييدات مقرونة بضوابط قانونية واضحة، وبهدف مشروع مثل الأمن العام أو حماية الآخرين، وأن تكون أدنى تدخّل ممكن، وأن تراعي التناسبية والوقت المحدود.

حين تُستخدم القوة، يُشترط أن تكون ضرورية ومعقولة، ومع تحقيق التمييز بين المتظاهرين العزل والعناصر التي تمارس العنف، أما استخدام الأسلحة "أقل فتكًا" بطرق متهورة أو مباشرة لا تتناسب مع التهديد فجرم دولي محتمل.

كما أن التجميد الفوري للحسابات أو تعليق نشاط المنظمات دون أمر قضائي مستقل يمكن أن يُعدّ انتهاكًا لمبادئ حق التملك وحرية التنظيم.

من جهة أخرى، فتح التحقيقات في مقتل فويريس وغيرها من حالات الوفاة يُعدّ خطوة ضرورية في إطار المساءلة، وإذا ما ثبت استخدام غير مشروع للقوة، فإن المسؤولين قد يواجهون مساءلة بموجب القانون الجنائي الداخلي أو حتى بنى المساءلة الدولية إذا دخلت الحصانة الوطنية في مسائل مُشكَّلة.

العوامل التاريخية والسياسية

ليست هذه الموجة الاحتجاجية الأولى في الإكوادور، فخلال السنوات الماضية، شهدت البلاد مآزق اقتصادية وأزمات اجتماعية مرتبطة بالتقشف ورفع أسعار الوقود، ففي عام 2019، اجتاحت احتجاجات عارمة البلاد ضد رفع دعم الوقود، وأُعلنت حالة الطوارئ والتدابير الأمنية المكثفة، مع وقوع ضحايا وتقييمات حقوقية سلبية.

وتمسّ القضية شعور السكان الأصليين بمكانتهم ومطالبهم من الحقوق في الأراضي البيئية والمياه والتعويض عن استغلال الموارد الطبيعية. لذا، كثيرًا ما تتقاطع الاحتجاجات الاقتصادية مع قضايا العدالة البيئية وحقوق السكان الأصليين.

كما أن استخدام الطوارئ والتشريعات الأمنية لتوسيع صلاحيات السلطة التنفيذية بات سمة متكررة في تاريخ الإكوادور الحديث، ما يخلق قلقًا من الانجراف نحو الأنماط السلطوية في معالجة أزمات الحركات الشعبية.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية