مطالبات حقوقية بمساندة ضحايا كوريا الشمالية في أروقة الأمم المتحدة
مطالبات حقوقية بمساندة ضحايا كوريا الشمالية في أروقة الأمم المتحدة
في خطوة نادرة، وجّه أكثر من عشرين منظمة مدنية وخبيراً حقوقياً رسالة مفتوحة إلى رئيس جمهورية كوريا الجنوبية لي جاي ميونغ، يدعونه فيها إلى المشاركة في رعاية مشروع قرار مقدم إلى الأمم المتحدة بشأن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ترتكبها جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية (كوريا الشمالية) تجاه مواطنيها.
الرسالة التي نُشرت اليوم الأربعاء، حذّرت من أن الحكومة الكورية الجنوبية تبدو متراجعة عن دورها التقليدي في دعم حق الشعب الكوري الشمالي في حقوق الإنسان، بعد أن كانت في السابق من الدول الداعمة لترسيخ آليات المساءلة الدولية وفق هيومن رايتس ووتش.
أسباب النداء وانعكاسات الصمت
يأتي هذا النداء في سياق شعور متصاعد داخل الأوساط الحقوقية بفضل السياقين التاليين: أولاً، استمرار الانتهاكات الموثّقة من قبل خبراء الأمم المتحدة ضد النظام الكوري الشمالي، والتي تضمّ جرائم ضد الإنسانية كالقتل والتعذيب والتجويع القسري والإبادة السياسية.
ثانياً، الموقف المتذبذب لسيئول التي بين 2019 و2022 رفضت أو امتنعت عن رعاية قرارات أممية حول كوريا الشمالية، بحجة أن الأولوية يجب أن تُعطى لسياسات السلام والمصالحة في شبه الجزيرة الكورية، ما اعتبره المدافعون تراجعاً عن الالتزامات الحقوقية.
هذا الصمت أو التراجع له تداعيات: فهو يقلل من الضغط الدولي على بيونغ يانغ ويمنحها مزيداً من الحصانة السياسية، ويضع مدافعي حقوق الإنسان الكوريين الشماليين والناجين في موقف هشّ، إذ يفتقرون إلى شريك مؤثر يسعى إلى دعمهم بين الحكومات الكبرى.
تداعيات إنسانية ومخاطر
غياب الزخم الدولي أو تراجع الدول المؤثرة ككوريا الجنوبية يترك الناجين والمدافعين عن حقوق الإنسان في كوريا الشمالية دون غطاء دولي قوي، ومع استمرار نظام بيونغ يانغ في فرض القيود القمعية، تجد الأسر التي حاولت الفرار أو تقديم الشكاوى أمام وضع إنساني أكثر هشاشة، ووفق التقارير الأممية، يعيش ملايين الكوريين الشماليين في مناطق اعتُبرت مناطق معزولة بلا أمل، مع نقص في الغذاء والرعاية الصحية والحريات الأساسية.
كما أن القرار الأممي السنوي يعتبر وسيلة رمزية ومؤثرة لرفع مستوى المساءلة؛ وبالتالي، تأخر أو تجنّب رعاية الدول الكبرى له يقلل من فاعليته وسيؤثر سلباً على قدرة المجتمعات المنكوبة على التأثير في السياسات الدولية.
وأصدرت منظمات حقوقية دولية رسائل مفتوحة مماثلة إلى كوريا الجنوبية، من بينها هيومن رايتس ووتش منبّهة إلى أن المسؤولية الأخلاقية والسياسية تقع على سيئول لتكون شريكاً نشطاً في القرار الدولي بشأن حقوق الإنسان في كوريا الشمالية.
في المقابل، لم تصدر الحكومة الكورية الجنوبية حتى الآن إعلاناً علنياً قوياً يغيّر سياستها تجاه حقوق الإنسان الكوري الشمالي، ما يُفسّر المخاوف بأن التوجهات السياسية تتغلب على الالتزامات الحقوقية.
أما على المستوى الدولي، فإن التقرير المستقل للجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بشأن كوريا الشمالية قد اعتبر أن الانتهاكات واسعة النطاق والمنهجية تستوجب مساءلة جادة، ومن دون حفظ الحق في المساءلة الدولية ترتفع مخاطر طمس تلك الانتهاكات في غياهب الحوار السياسي.
الإطار القانوني الدولي
يُعد ملف حقوق الإنسان في كوريا الشمالية من أكثر القضايا التي ناقشها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وجمعيته العامة عبر قرارات إدانة سنوية، على سبيل المثال، القرار رقم 62/167 الذي صدر عام 2007 في الجمعية العامة قد دان الانتهاكات في كوريا الشمالية وأشار إلى التزام الدول الأعضاء بالمراقبة والمساءلة.
بموجب النظام الدولي، تقع على الدول –بما فيها كوريا الجنوبية– مسؤولية التعاون مع منظومة الأمم المتحدة والمساهمة في الجهود الدولية لتعزيز حماية حقوق الإنسان، حتى إذا لم تكن طرفاً مباشراً في الانتهاكات.
من المنظور القانوني، تشكل الممارسات التي تستهدف أفراداً بشكل مباشر في كوريا الشمالية مثل الإعدامات والعقاب الجماعي والاعتقالات التعسفية جرائم يجوز أن تكون جزءاً من إطار جرائم ضد الإنسانية، ما يفرض واجباً دولياً على الدول لدعم المساءلة.
لطالما اعتُبرت كوريا الجنوبية شريكاً محوريّاً في معالجة أزمة حقوق الإنسان في الشطر الشمالي، خصوصاً من خلال دعم الناجين واللاجئين، لكن منذ عام 2018، ومع تغيّر المعادلات الإقليمية ومسار الحوار بين الكوريتين، بدأت سياسة سيئول تتحوّل من التركيز على حقوق الإنسان إلى التركيز على السلام الاقتصادي والتعاون البيني، ما قاد إلى تراجع في دعم المبادرات الحقوقية.
وعلى مدى سنوات، وقّعت سيئول على قرارات مشتركة في الأمم المتحدة تدين النظام الشمالي، لكنها منذ 2019 بدأت تتراجع في المشاركة والرعاية، ما شجّع المدافعين على توجيه النداء الأخير والذي يمثل اختباراً حقيقياً لمكانة كوريا الجنوبية كدولة ديمقراطية تؤمن بتطبيق قيم حقوق الإنسان وليس مجرد تبنّيها شعارات.











