عصر ما بعد الوقود الأحفوري.. هل يفتح الهيدروجين الأخضر طريقاً جديداً لاقتصادات الدول النامية؟
عصر ما بعد الوقود الأحفوري.. هل يفتح الهيدروجين الأخضر طريقاً جديداً لاقتصادات الدول النامية؟
مع استمرار تطور الاقتصادات النامية وارتفاع مستويات المعيشة فيها تبرز تساؤلات جوهرية حول المستقبل الصناعي لهذه الدول، هل يقود النمو بالضرورة إلى مزيد من الصناعات المعتمدة على الوقود الأحفوري وما ينتجه من تلوث وتهديد للمناخ أم يمكن يبني مسارات جديدة منخفضة الكربون تحقق الازدهار دون أن تثقل كاهل الكوكب بمزيد من الانبعاثات.. هذا السؤال الذي يشغل حكومات وخبراء حول العالم سيكون محور النقاشات الكبرى في قمة الصناعة العالمية للأمم المتحدة التي تنعقد الأسبوع المقبل في العاصمة السعودية الرياض.
تجمع دولي واسع لرسم نموذج اقتصادي جديد
من الثالث والعشرين وحتى السابع والعشرين من نوفمبر الجاري ستتحول الرياض إلى منصة عالمية تضم أكثر من ثلاثة آلاف مشارك من مئة وخمسين دولة بين مسؤولين حكوميين وقادة شركات ومبتكرين وخبراء تنمية، يجتمع هذا العدد الكبير لمناقشة رؤى مشتركة حول تسريع التنمية الصناعية الشاملة والمستدامة وتبادل الخبرات التي يمكن أن تساعد الدول النامية على بناء اقتصادات قوية لا تقوم على استنزاف البيئة أو الوقود الأحفوري، وفق موقع أخبار الأمم المتحدة.
القمة التي تنظمها منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية تمثل النسخة الأحدث من مؤتمر المنظمة العام وهو الجهاز الأعلى لصنع السياسات داخل اليونيدو والمسؤول عن رسم التوجهات وإقرار الميزانيات وبرامج العمل وانتخاب الهيئات الإدارية، كما يعد المؤتمر مناسبة رسمية لتقييم مسار التنمية الصناعية العالمية وتعيين المدير العام للمنظمة كل أربع سنوات وهو المنصب الذي يشغله حالياً غيرد مولر.
رؤية جديدة لخلق فرص عمل
القمة تمنح الدول الأعضاء فرصة لعرض تجاربها ومشاريعها في التحول الصناعي ولكنها أيضاً فرصة لتسليط الضوء على دور اليونيدو في تحسين حياة الناس عبر مبادراتها في الجنوب العالمي، وتعد منطقة دوريس في ناميبيا إحدى أهم الأمثلة التي تعكس التحول الممكن نحو اقتصاد مستدام غير قائم على الوقود الأحفوري.
في هذه المنطقة يجري تنفيذ مشروع قرية دوريس للهيدروجين الأخضر وهو نموذج مبتكر لإنتاج الهيدروجين والأمونيا من مصادر طاقة متجددة بهدف تصنيع أول سماد أخضر خالٍ من الكربون في البلاد وتقليل الحاجة إلى استيراده، ولا يعد المشروع مجرد منشأة صناعية، بل خطة متكاملة لرفع مستوى المجتمع عبر توفير التدريب في زراعة المحاصيل وإنشاء مصنع لمعالجة معجون الطماطم يعمل بالطاقة الشمسية بهدف تعزيز قيمة الإنتاج المحلي وخلق سلسلة أوسع من فرص العمل، وتشير التقديرات إلى أن أكثر من ألف شخص سيستفيدون من وظائف مستدامة وتحسن في الأمن الغذائي نتيجة المشروع.
هذا النموذج الناجح يجسد فلسفة اليونيدو التي تعمل على وضع الاقتصادات النامية على طريق نمو مستدام لا يلوث البيئة ولا يستبعد المجتمعات الفقيرة، وتعد قرية دوريس واحدة من المشاريع التي ترعاها المنظمة ضمن جهودها لدعم دول الجنوب في تبني الطاقة النظيفة وخلق صناعات مستقبلية.
دعم عالمي للهيدروجين الأخضر
لا يقتصر عمل اليونيدو على ناميبيا وحدها. فقد استفادت دول أخرى مثل كوستاريكا والمغرب من البرنامج العالمي للهيدروجين في الصناعة الذي أطلقته المنظمة بهدف تجاوز العقبات التقنية والمالية التي تعترض الطريق نحو اقتصاد منخفض الكربون، هذا البرنامج يساعد الدول على بناء قدراتها الصناعية في مجال الهيدروجين الأخضر وتطوير سلاسل قيمة قادرة على توفير وظائف وتنمية مستدامة دون الاعتماد على الوقود الأحفوري.
منصة لتحويل الصناعات التقليدية
منذ تأسيسها عام 1966 دعمت اليونيدو التنمية الصناعية الشاملة والمستدامة باعتبارها حجر زاوية للتقدم الاقتصادي والاجتماعي، وخلال القمة في الرياض ستستعرض المنظمة نتائج برامجها وخططها الرامية إلى تمكين الدول النامية من بناء صناعات حديثة تعتمد على الابتكار والتكنولوجيا والطاقات النظيفة.
وتستضيف القمة ثلاثة أيام من المنتديات المواضيعية في مركز الملك عبد العزيز الدولي للمؤتمرات تركز على موضوعات حيوية. اليوم المخصص للاستثمار والشراكات يناقش التعاون الدولي ودور الذكاء الاصطناعي بوصفه قوة دافعة للتحول الصناعي، ويبرز اليوم المخصص لتمكين المرأة دور القيادات النسائية في تشكيل مستقبل التصنيع. أما يوم الشباب فيركز على المواهب وريادة الأعمال ودورها في بناء اقتصاد عالمي جديد.
تشمل القمة أيضاً نقاشات حول إزالة الكربون والرقمنة والأمن الغذائي والنمو الشامل وهي ملفات مترابطة تسعى الدول إلى معالجتها بصورة تنسجم مع التحديات البيئية والاقتصادية الراهنة.
أهمية القمة في لحظة عالمية حرجة
مع بدء العد التنازلي لانطلاق القمة تتزايد التوقعات بشأن نتائجها خاصة في ظل حاجة العالم إلى مبادرات وشراكات يمكن أن تغير شكل الاقتصاد العالمي وتجعله أكثر عدلا واستدامة. فالدول النامية تحتاج إلى نماذج تنمية جديدة لا تكرر أخطاء الماضي الصناعي الذي أدى إلى انبعاثات ضخمة وتفاوتات اقتصادية واسعة.
تطرح القمة أيضاً ملفات مهمة مثل المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة ودور اليونيدو في نظام الأمم المتحدة التنموي بعد إصلاحه، كما تناقش قضايا التمويل والمنصات الرقمية التي تتيح متابعة تنفيذ المشروعات وقياس أثرها في التنمية.
في عالم يشهد تغيرات مناخية متسارعة وتحديات اقتصادية عميقة يصبح من الضروري إعادة النظر في مفهوم النمو الاقتصادي ذاته، فالنمو لا يعني بالضرورة زيادة الانبعاثات ولا يجب أن يكون مرتبطاً باستهلاك أكبر للوقود الأحفوري، ويمكن للطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر أن يشكلا طريقاً بديلاً يمنح الدول النامية فرصة للنهوض دون الوقوع في فخ التلوث أو الاعتماد على موارد ناضبة.
أنشئت منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية عام 1966 بهدف دعم الدول في بناء صناعات حديثة قادرة على تعزيز التنمية الاقتصادية. أصبحت منذ عام 1985 وكالة متخصصة داخل الأمم المتحدة وتعمل اليوم في أكثر من مئة دولة، وتركز المنظمة على ثلاثة محاور رئيسية هي التنمية الصناعية الشاملة، والابتكار والتكنولوجيا المستدامة، وحماية البيئة عبر تقليل البصمة الكربونية للصناعة، كما تشجع اليونيدو على إقامة شراكات بين الحكومات والقطاع الخاص والمؤسسات المالية بهدف جذب الاستثمار في الصناعات النظيفة وتعزيز التحول نحو الطاقة المتجددة، وتعمل برامجها على تمكين المجتمعات المحلية من الاستفادة المباشرة من المشاريع الصناعية عبر خلق فرص عمل وتطوير المهارات بما يجعل النمو أكثر عدلاً واستدامة.










