تضييق يوقف الحياة.. قيود طالبان على النساء تشلّ العمل الإنساني في أفغانستان
تضييق يوقف الحياة.. قيود طالبان على النساء تشلّ العمل الإنساني في أفغانستان
علّقت وكالات الأمم المتحدة وشركاؤها في المجال الإنساني أمس الثلاثاء، كل عملياتها في مركز إسلام قلعة الحدودي بين أفغانستان وإيران، بعد أن فرضت حركة طالبان قيوداً جديدة على عمل النساء الأفغانيات، ما حال دون تمكنهن من الوصول إلى المنطقة لأداء مهامهن الإغاثية.
وجاء هذا القرار وسط تصاعد القلق الدولي من استمرار التضييق على النساء منذ عودة الحركة إلى السلطة في أغسطس 2021، وتحويلهن إلى رهائن في وطنهن تحت منظومة متشددة تحرمهن من أبسط حقوقهن، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس".
تضييق منهجي على النساء
فرضت حركة طالبان منذ عودتها إلى الحكم قيوداً صارمة على النساء في التعليم والعمل والتنقل، لتعيد البلاد إلى أجواء القمع التي شهدتها في تسعينيات القرن الماضي.
وبدأت هذه السياسات تدريجياً بحظر الفتيات من الالتحاق بالمدارس الثانوية، ثم الجامعات، وصولاً إلى منع النساء من العمل في معظم المؤسسات الحكومية والمنظمات غير الحكومية.
ويؤكد العاملون في المجال الإنساني أن القيود الجديدة المفروضة على الموظفات تشكل استمراراً لنهج الحركة في إقصاء النساء من الحياة العامة، رغم التحذيرات الأممية من العواقب الإنسانية الكارثية لمثل هذه الإجراءات.
شلل في العمليات الإنسانية
أوضح منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في أفغانستان إندريكا راتواتي أن تعليق العمل في معبر إسلام قلعة جاء نتيجة فرض طالبان قيوداً تمنع الموظفات المحليات لدى الأمم المتحدة وشركائها من أداء مهامهن.
واعتبر راتواتي أن القرار يمثل "تحدياً فورياً على مستوى العمليات الإنسانية، ويزيد من المخاطر التي تهدد العائدين من إيران، لا سيما النساء والفتيات".
وأكد أن أكثر من 60% من الأفغان العائدين من إيران عبر المعبر هم من النساء والأطفال، مشدداً على أن غياب الموظفات يجعل من المستحيل تقديم المساعدة لهم، لأن المعايير الإنسانية الدولية تشترط وجود نساء لتقديم الدعم للنساء والفتيات العائدات، حفاظاً على الخصوصية والكرامة الإنسانية.
تداعيات إنسانية خطيرة
تسببت هذه القيود في شلل شبه كامل للجهود الإغاثية عند الحدود، حيث تتدفق يومياً آلاف الأسر العائدة من إيران بعد فقدان فرص العمل أو بسبب الترحيل القسري.
وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن كثيراً من هؤلاء النساء العائدات لا يحملن وثائق هوية أو موارد مالية، مما يجعلهن في وضع هشّ يستدعي تدخل فرق نسائية مختصة لتقديم الدعم الطبي والنفسي والاجتماعي.
ويحذر الخبراء من أن غياب الموظفات سيؤدي إلى تفاقم معاناة هذه الفئات، ويعطل تسجيل العائدين وتوزيع المساعدات الأساسية، في وقت تواجه فيه أفغانستان أزمة إنسانية هي الأشد منذ عقود، مع تدهور الاقتصاد وارتفاع معدلات الجوع إلى مستويات قياسية.
صمت طالبان واستمرار الحظر
امتنعت حركة طالبان حتى الآن عن التعليق على الإجراءات الجديدة رغم الانتقادات الواسعة من المنظمات الدولية والدول المانحة.
ويخشى المراقبون أن تكون هذه الخطوة تمهيداً لتوسيع نطاق القيود لتشمل مناطق حدودية أخرى، ما سيقوض أي إمكانية لعمل منسق في تقديم المساعدات الإنسانية داخل البلاد.
وكانت الحركة قد فرضت في أواخر عام 2022 حظراً على توظيف النساء في المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية، ثم وسّعت الحظر ليشمل موظفات الأمم المتحدة في 2023، مع استثناءات محدودة في قطاعات الصحة والتعليم والإغاثة العاجلة، وغالباً في المناطق النائية حيث الحاجة ماسة للمساعدات.
نساء مستبعدات من الحياة
حولت هذه السياسات النساء الأفغانيات إلى فئة منسية داخل وطنها، إذ حُرمت أكثر من مليون فتاة من مواصلة تعليمهن، وتوقفت آلاف النساء عن العمل، ما فاقم معدلات الفقر والعوز بين الأسر التي كانت تعتمد على دخل النساء.
وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن نحو 28 مليون أفغاني بحاجة إلى المساعدة الإنسانية هذا العام، نصفهم من النساء والأطفال، بينما تعوق القيود المفروضة على عمل النساء وصول المساعدات إلى مستحقيها.
وتؤكد منظمات الإغاثة أن "العمل بدون النساء يعني ترك نصف المجتمع بلا دعم"، وأن استمرار هذا النهج يهدد بانهيار كامل لمنظومة المساعدات في بلد يعيش على المساعدات الخارجية منذ عقدين.
نداءات دولية عاجلة
دعت الأمم المتحدة مراراً طالبان إلى مراجعة سياساتها تجاه النساء، مؤكدة أن استبعادهن يتعارض مع مبادئ الإسلام والمواثيق الدولية. كما ناشدت الدول المانحة عدم قطع المساعدات رغم الصعوبات، مشيرة إلى ضرورة إيجاد حلول تفاوضية تسمح للموظفات بالعودة إلى العمل الميداني لضمان استمرارية المشاريع الإنسانية.
ويؤكد محللون أن الأزمة الحالية تتجاوز البعد الإنساني لتكشف أزمة حكم عميقة في أفغانستان، حيث تحاول طالبان فرض نموذج اجتماعي يعزل النساء عن المجال العام، في وقت تتدهور فيه أوضاع البلاد الاقتصادية وتتهاوى مؤسساتها أمام عجز دولي عن إيجاد آلية فعالة للتعامل مع الحركة دون الإضرار بالشعب الأفغاني.










