تداعيات أزمة التمويل.. يونيسف تعيد الهيكلة وتحرك موظفيها من جنيف ونيويورك
تداعيات أزمة التمويل.. يونيسف تعيد الهيكلة وتحرك موظفيها من جنيف ونيويورك
أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” الخميس عن خطة طارئة لنقل غالبية موظفيها العاملين في مكاتبها بجنيف ونيويورك إلى مواقع عمل أقل تكلفة، في خطوة تهدف إلى التكيف مع تخفيض التمويل العالمي بنسبة 20 بالمئة، وتأتي هذه الخطوة في ظل أزمة تمويل واسعة النطاق تهدد قدرة المنظمة على الاستمرار في تقديم برامجها الحيوية للأطفال حول العالم.
خطة النقل وتقليص الميزانية
وقالت يونيسف في بيان رسمي إن 70 بالمئة على الأقل من موظفيها في المدينتين سيتم نقلهم إلى مراكز جديدة في مدن مثل روما وبودابست وفلورنسا وإسطنبول وبروكسل وبلنسية، ويهدف هذا التحرك إلى تقليل تكاليف التشغيل وضمان استدامة برامج المنظمة في ظل انخفاض التمويل المتاح وفق وكالة رويترز.
وأفادت صحيفة تريبون دو جنيف بأن حوالي 300 وظيفة من مكتب يونيسف الإقليمي لأوروبا وآسيا الوسطى قد يتم نقلها خارج سويسرا، وبحسب وزارة الخارجية السويسرية، ستظل حوالي 100 وظيفة فقط في جنيف، مخصصة لدعم العمليات والتنسيق على المستوى العالمي، وأكدت مصادر حكومية إيطالية أن بعض الوظائف ستنتقل إلى روما، دون تفاصيل إضافية حول العدد أو الأقسام المعنية.
الأسباب المالية والتحديات المستقبلية
تواجه وكالات الأمم المتحدة، بما فيها يونيسف، ضغوطاً كبيرة نتيجة تقليص الدول المانحة الرئيسية، ولا سيما الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية، ميزانياتها المخصصة للمساعدات الخارجية، وتتوقع يونيسف انخفاض دخلها بنسبة 20 بالمئة على مدى السنوات الأربع المقبلة مقارنة بعام 2024، مما أدى إلى خفض نحو 25 بالمئة من ميزانيات المقر الرئيسي والمكاتب الإقليمية.
كما أعلنت المنظمة في مايو الماضي عن دمج مكاتبها الإقليمية في أوروبا وآسيا الوسطى والشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مكتب إقليمي واحد مقره في عمّان، الأردن، كجزء من استراتيجية لتقليل النفقات وتحسين الكفاءة التشغيلية.
انعكاسات على الموظفين وبرامج الأطفال
تعكس هذه التحركات تحديات كبيرة للموظفين، الذين قد يواجهون اضطرابات في حياتهم المهنية والشخصية نتيجة النقل القسري، كما يعكس القرار المخاطر التي تواجه برامج الأطفال في مختلف أنحاء العالم، خصوصاً في مناطق النزاعات والأزمات الإنسانية، حيث يعتمد تنفيذ المشاريع على تواجد موظفين متخصصين.
وعلى الرغم من أن يونيسف تحاول ضمان استمرار العمل دون انقطاع، فإن التخفيضات الكبيرة قد تؤثر على قدرة المنظمة على الوصول إلى ملايين الأطفال المستفيدين من برامج التعليم والصحة والحماية، ويقدر عدد الأطفال الذين تخدمهم يونيسف سنوياً بملايين حول العالم، ما يجعل أي تأثير على القدرة التشغيلية أمراً ذا أهمية قصوى.
امتداد الأزمة إلى وكالات أممية أخرى
عمليات نقل موظفي يونيسف ليست حالة منفردة، بل جزء من سلسلة من التخفيضات وإعادة الهيكلة التي تواجهها وكالات الأمم المتحدة المقيمة في جنيف ومقرها مكاتب رئيسية، فقد أعلنت منظمة الصحة العالمية عن خطط لتقليص قوتها العاملة بنحو ربع الموظفين، أي أكثر من ألفي موظف، بحلول منتصف العام المقبل، كما تدرس منظمة العمل الدولية إلغاء ما يصل إلى 295 وظيفة ونقل العشرات إلى مدن مثل تورينو، لمواجهة مشاكل التدفقات النقدية.
ردود الفعل الدولية والتحديات القانونية
أثارت الخطط الجديدة ردود فعل متفاوتة بين الحكومات والمنظمات الحقوقية الدولية، التي أكدت أهمية ضمان استمرارية الخدمات الحيوية للأطفال وعدم المساس ببرامج التعليم والصحة، وأشار خبراء إلى أن الانتقال السريع للموظفين قد يؤدي إلى تعطيل عمليات المنظمة، خصوصاً في البيئات المعقدة مثل مناطق النزاع، ويتطلب تنسيقاً دقيقاً لضمان عدم فقدان خبرات قيمة وإضرار بمصالح المستفيدين.
تاريخ التمويل الأممي وتداعيات التخفيضات
على مدى عقود، اعتمدت وكالات الأمم المتحدة على تمويل دولي مستقر لتقديم مساعدات إنسانية وتنموية، بما في ذلك برامج الصحة والتعليم والتغذية للأطفال، لكن في السنوات الأخيرة، شهد التمويل تقلبات حادة نتيجة الأزمات الاقتصادية العالمية، وانخفاض أولويات المساعدات الخارجية في بعض الدول، وتؤكد البيانات أن تمويل الوكالات الأممية انخفض تدريجياً في الأعوام الأخيرة، ما أدى إلى زيادة الضغوط على برامجها ومهام موظفيها.
أهمية التوازن بين الكفاءة والتأثير الإنساني
يؤكد خبراء أن خفض التكاليف وتحريك الموظفين إلى مواقع أرخص قد يكون ضرورياً للبقاء، لكنه يسلط الضوء على التحدي الأساسي للأمم المتحدة: الحفاظ على الكفاءة التشغيلية مع ضمان تأثير ملموس للبرامج الإنسانية، ويشيرون إلى أن الأطفال الأكثر تضرراً في مناطق النزاع والفقر هم الأكثر عرضة لتراجع الخدمات عند حدوث تقليصات في التمويل أو فقدان الموظفين المؤهلين.
تأسست يونيسف عام 1946 لتقديم المساعدات للأطفال في جميع أنحاء العالم، وتعمل في أكثر من 190 دولة ومنطقة، وتشمل برامجها التعليم الأساسي، والحماية من العنف، والتغذية، والصحة، والمياه والصرف الصحي، وتعتمد المنظمة بشكل رئيسي على المساهمات الطوعية من الدول المانحة والمؤسسات الدولية، وهو ما يجعلها عرضة لتقلبات التمويل الخارجي، وتوضح التجربة الأخيرة كيف أن التحديات الاقتصادية العالمية تؤثر مباشرة على قدرة الأمم المتحدة على تقديم خدمات حيوية للأطفال، خصوصاً في البلدان المتأثرة بالحروب والكوارث الطبيعية والأزمات الاقتصادية.
تعكس خطوة نقل موظفي يونيسف من جنيف ونيويورك تداعيات التخفيضات الكبيرة في التمويل العالمي، وتسلط الضوء على الأثر المباشر لهذه السياسات على البرامج الحيوية للأطفال حول العالم، وبينما تسعى المنظمة إلى التكيف مع الوضع المالي الصعب، يظل التحدي الأكبر هو الحفاظ على استمرارية الخدمات، وضمان ألا يؤدي خفض التكاليف إلى تراجع الدعم للأطفال الأكثر حاجة، وتؤكد هذه الأزمة على أهمية التعاون الدولي المستدام وتمويل المساعدات الإنسانية لضمان حماية حقوق الأطفال وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.










