"الاحتجاج البنفسجي".. موجة غضب تطالب بوقف العنف ضد النساء في جنوب إفريقيا

"الاحتجاج البنفسجي".. موجة غضب تطالب بوقف العنف ضد النساء في جنوب إفريقيا
مظاهرة نسوية في جنوب إفريقيا - أرشيف

في بلد تصفه الأمم المتحدة بأنه أحد أخطر الأماكن على النساء، تتصاعد اليوم موجة غضب نسوية واسعة في جنوب إفريقيا، حيث تُسجَّل واحدة من أعلى معدلات قتل النساء عالميًا. 

ووفق الإحصاءات الرسمية، يُقتل نحو سبع نساء يوميًا، ويُغتصب أكثر من 100 امرأة يوميًا، في حين تشير تقديرات هيئة الأمم المتحدة للمرأة إلى رقم أشد قتامة.. امرأة تُقتل كل ساعتين ونصف، أي ما يقارب 15 امرأة يوميًا، بحسب ما ذكرت وكالة أنباء المرأة، الجمعة. 

ولم تعد هذه الأرقام الصادمة مجرد بيانات حكومية، بل تحوّلت إلى كارثة وطنية تهدد النسيج الاجتماعي وتكشف عمق أزمة العنف القائم على النوع الاجتماعي.

احتجاجات تعمّ البلاد

دعت منظمات حقوق المرأة، وعلى رأسها حركة Shutdown النسوية، إلى تنظيم احتجاجات واسعة اليوم الجمعة في مختلف المدن، رفضًا للتصاعد المستمر في جرائم قتل النساء واغتصابهن. 

وتهدف هذه الاحتجاجات إلى لفت الأنظار إلى ما يسمّيه النشطاء "حربًا يومية غير معلنة" تُخاض ضد النساء في المنازل، الشوارع، ووسائل النقل العامة.

وتحمل هذه الفعالية عنوان "الاحتجاج البنفسجي"، حيث طالبت المنظمات النساء بأن يتوقفن عن العمل داخل المنازل وخارجها، ثم الاستلقاء على الأرض لمدة 15 دقيقة تعبيرًا عن التضامن مع ضحايا القتل، وتجسيدًا رمزياً لحالات السقوط المفاجئ التي تطول النساء في ذروة حياتهن بسبب العنف القائم على النوع الاجتماعي.

وترمز الألوان المستخدمة في الاحتجاجات إلى رسائل سياسية واضحة، فالبنفسجي رمز عالمي للحركة النسوية، والأسود لون الحداد على آلاف النساء اللواتي قُتلن خلال السنوات الماضية دون تحقيق العدالة الكاملة.

العنف أزمة وطنية

أقرّت حكومة جنوب إفريقيا، خلال قمة مجموعة العشرين عام 2019، بأن العنف المبني على النوع الاجتماعي يمثل أزمة وطنية تحتاج إلى تدخل عاجل. 

ورغم هذا الاعتراف، تُشير المؤشرات الميدانية إلى أن مستويات العنف لم تنخفض، بل شهدت ارتفاعًا خلال السنوات الأخيرة، خصوصًا في المناطق المهمّشة والبلدات المكتظة التي تعاني ضعفًا في مؤسسات العدالة وأجهزة حماية النساء.

وتؤكد ناشطات أن المشكلة ليست فقط في انتشار الجريمة، بل في تساهل قوانين العدالة الجنائية، بطء المحاكم، ونقص الآليات المخصّصة لحماية النساء المهددات، كما تشير تقارير أخرى إلى فشل الشرطة في التعامل الجدي مع بلاغات العنف الأسري، إذ تُغلق آلاف الشكاوى سنويًا دون أي متابعة.

العنف وجه لعدم المساواة

يربط خبراء علم الاجتماع في جنوب إفريقيا هذه الأزمة بجذور تاريخية واقتصادية عميقة، أبرزها: الإرث العنيف لنظام الفصل العنصري الذي خلّف ثقافة تطبيع العنف داخل المجتمع، وانتشار الفقر والبطالة، ما يخلق ديناميكيات خطرة داخل الأسر.

بالإضافة إلى العلاقات الاجتماعية الذكورية التقليدية التي ما زالت تُشرعن السيطرة على النساء، وضعف الخدمات الاجتماعية، وخصوصًا مراكز إيواء النساء الهاربات من العنف.

وتشير ناشطات إلى أن قتل النساء غالبًا ما يأتي على أيدي شركائهن الحاليين أو السابقين، ما يجعل الكثير من الضحايا في مواجهة مباشرة مع خطر نابع من محيطهن الشخصي.

تحرك ميداني واسع

بدأت حركة الاحتجاج عبر وسمٍ انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تتحوّل إلى تحرك ميداني واسع يشمل إغلاقًا جزئيًا للمدن. 

وتأتي هذه التعبئة قبل أيام قليلة من انعقاد قمة مجموعة العشرين في جوهانسبرغ، بهدف الضغط على الحكومة لإعلان التزامات واضحة تجاه حماية النساء.

وتطالب المنظمات النسوية بقانون خاص للطوارئ يعالج جرائم قتل النساء، وزيادة عدد وحدات الشرطة المتخصّصة في العنف الأسري، ومحاكم سريعة لجرائم النوع الاجتماعي.

كما تطالب بمخصصات مالية كبرى لمراكز حماية النساء، ومراقبة مستقلة لأداء أجهزة الأمن والقضاء.

يريدون فقط الحياة

تقول إحدى المشاركات في الاحتجاجات، وهي أم لثلاث فتيات: "لا نخرج إلى الشوارع لأننا قويات، بل لأننا خائفات.. نريد فقط أن تبقى بناتنا على قيد الحياة".

أما الناشطة في حركة Shutdown، فتضيف: "كل رقم في هذه الإحصاءات هو امرأة لها اسم وحياة وعائلة، لم نعد نقبل أن يُعامل قتل النساء معاملة الخبر الاعتيادي".

وبينما تستعد البلاد لاستضافة قادة العالم خلال قمة العشرين، تبقى شوارع جنوب إفريقيا مسرحًا لصراع يومي بين النساء المطالبات بحقهن في الحياة، وبين واقع من العنف الممنهج الذي ينال منهن بلا رحمة.

ومع أن الاحتجاجات الحالية تملك زخمًا جماهيريًا غير مسبوق، إلا أن نجاحها يعتمد على تحول حقيقي في سياسات الدولة، بعيدًا عن التصريحات الرمزية، نحو بنية قانونية ومؤسساتية تضع سلامة النساء في صدارة الأولويات.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية