وسط قلق حقوقي.. مطالبات فرنسية بإطلاق سراح الصحفي غليز المسجون بالجزائر

وسط قلق حقوقي.. مطالبات فرنسية بإطلاق سراح الصحفي غليز المسجون بالجزائر
الصحفي الفرنسي كريستوف غليز

في خطوة تعكس حجم القلق الذي يعتري الأوساط الصحفية في فرنسا، أصدرت تسع منظمات إعلامية، من بينها جمعيات تمثل الصحف الكبرى ونقابات مهنية ومنظمة مراسلون بلا حدود، الأربعاء بيانا مشتركا نُشر في عدة صحف فرنسية.

وجاء في البيان أن الصحفي كريستوف غليز لم يرتكب أي جرم في الجزائر، وأن وجوده خلف القضبان يمثل انتهاكا لا يمكن القبول به في السياق الصحفي، ولا يليق بعلاقة يفترض أن تقوم على احترام متبادل بين مؤسسات إعلامية حرة وسلطات مدنية يفترض أن تضمن الشفافية، وفق وكالة “فرانس برس”.

وتضمن البيان رسالة واضحة وصريحة مفادها أن الصحفي ينبغي أن يمارس عمله دون خوف، وأن مقابلته لمسؤول رياضي أو حتى شخصية ذات خلفيات سياسية مثيرة للجدل لا تعني انحيازه ولا تواطؤه، بل هي جزء أساسي من مهنته، وأكدت المنظمات أن التوتر السياسي القائم بين فرنسا والجزائر ينبغي ألا ينعكس على حرية الأفراد ولا يتحول إلى مبرر لسجن صحفيين.

تهمة تمجيد الإرهاب

كانت السلطات الجزائرية قد اعتقلت كريستوف غليز، البالغ من العمر ستة وثلاثين عاما، أثناء وجوده في البلاد لإعداد تحقيق صحفي حول نادي شبيبة القبائل، وهو أحد أكبر الأندية الرياضية في الجزائر، غير أن اتصال الصحفي بشخصية رياضية في النادي، وهو أيضا قيادي في حركة تقرير مصير القبائل المصنفة كمنظمة إرهابية في الجزائر، شكّل أساس التهم الموجهة إليه، وعلى رأسها تمجيد الإرهاب.

هذا الاتهام، الذي أدى إلى الحكم عليه بالسجن سبع سنوات في يونيو الماضي، أثار استغرابا واسعا في الأوساط الفرنسية التي اعتبرت أن لقاء الصحفيين مع شخصيات مثيرة للجدل، أو حتى مطلوبة أمنيا، أمر طبيعي في سياق العمل الصحفي، ما دام الهدف هو جمع المعلومات وليس تقديم الدعم السياسي أو التنظيمي.

كما يرى قانونيون فرنسيون أن التهم الموجهة ضد غليز تتجاوز إطارها القانوني وتدخل في نطاق القراءات السياسية، خاصة مع تزامنها مع فترة من التوتر الدبلوماسي بين باريس والجزائر، وتبادل تصريحات حادة على خلفيات تاريخية وجيوسياسية معروفة.

تضامن إنساني

لا يقتصر التضامن مع غليز على الجانب المهني، بل بات يحمل بعدا إنسانيا واضحا، خصوصا بعد الكشف عن معاناة أسرته ومخاوف المقربين منه على حالته النفسية والصحية داخل السجن. 

ويؤكد الموقعون على البيان أن بقاء صحفي خلف القضبان لمجرد قيامه بعمله يتناقض مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، ويؤثر بصورة مباشرة على عائلته التي تنتظر، منذ أشهر، أي انفراجة قد تضع حدا لهذا الكابوس.

ويشير صحفيون فرنسيون إلى أن الخوف لا يتعلق بمصير غليز وحده، بل بما قد يترتب على قضيته من تأثيرات مستقبلية على حرية المراسلين الأجانب في الجزائر، وعلى قدرة المؤسسات الإعلامية على العمل دون رقابة سياسية أو تهديدات قانونية.

دعوة إلى العدالة

وصفت المنظمات الإعلامية الفرنسية قضية غليز بأنها اختبار لمستوى استقلالية القضاء في الجزائر، مؤكدة ضرورة أن تتم محاكمته بصورة عادلة، وضمن إجراءات شفافة تضمن حق الدفاع، وتمنع أي تأثير سياسي محتمل على مسار القضية. 

وشددت على أن حرية الصحافة لا ينبغي أن تكون رهينة لاعتبارات سياسية أو دبلوماسية، وأن حماية الصحفيين هي ركيزة أساسية لأي دولة تريد أن تؤكد احترامها للقانون.

وذكرت منظمة مراسلون بلا حدود بأن الجزائر كانت قد أفرجت مؤخرا عن الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال بعد أن أمضى عاما كاملا في السجن، معربة عن أملها بأن يشمل هذا المسار الإيجابي إطلاق سراح كريستوف غليز أيضا.

قضية تتجاوز الحدود

تتعامل الحكومة الفرنسية مع الملف بحذر، حفاظا على التوازن الدبلوماسي مع الجزائر، لكنها لا تخفي قلقها من تداعيات القضية على سمعة حرية التعبير في المنطقة، فيما يرجح مراقبون أن تشكل محاكمة غليز أمام الاستئناف في ديسمبر محطة مهمة ليس فقط على المستوى القضائي، بل على مستوى العلاقات الفرنسية الجزائرية التي تمر في إحدى أكثر مراحلها تعقيدا منذ سنوات.

وبينما تستمر وسائل الإعلام الفرنسية في رفع صوتها دفاعا عن زميلهم، يبقى غليز خلف القضبان بانتظار قرار قد يغيّر حياته، ويحدد شكل العلاقة بين السلطة والصحافة في الجزائر خلال الفترة المقبلة.

تأسست حركة تقرير مصير القبائل المعروفة باسم ماك في عام 2001، وهي حركة سياسية تطالب باستقلال منطقة القبائل شمال شرق الجزائر، وقد صنفتها السلطات الجزائرية في عام 2021 منظمة إرهابية، وهو ما تسبب في ملاحقات واسعة لأنصارها، وترافق تصنيف الحركة مع تشديد السلطات إجراءاتها ضد أي نشاط إعلامي أو سياسي له صلة بها، ما أدى إلى تزايد التوترات بين الحكومة ومؤسسات صحفية محلية ودولية. 

وتشير تقارير حقوقية إلى أن العلاقة بين الجزائر ووسائل الإعلام تشهد خلال السنوات الأخيرة مرحلة معقدة تزامنت مع قيود واسعة على التغطية الصحفية، واعتقالات طالت صحفيين جزائريين وأجانب على خلفيات مختلفة، فيما تواصل منظمات دولية توجيه دعوات متكررة إلى ضمان بيئة آمنة للعمل الإعلامي واحترام حرية التعبير باعتبارها أحد أسس الحكم الرشيد.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية