أزمة إنسانية تتعمق.. تردي الأحوال المعيشية يفاقم معاناة النازحين في مخيمات حلب

أزمة إنسانية تتعمق.. تردي الأحوال المعيشية يفاقم معاناة النازحين في مخيمات حلب
مخيمات النازحين شمال سوريا

يعيش آلاف النازحين في مخيم جبل كفركرمين غرب حلب في سوريا على حافة معاناة يومية تتسع ملامحها مع حلول فصل الشتاء، حيث تتغذى الأزمة على ارتفاع الأسعار وتراجع المساعدات وغياب الحد الأدنى من الخدمات الأساسية، وعلى الرغم من النداءات المتكررة من الأهالي، لا يزال الواقع المعيشي يتدهور بوتيرة متسارعة، في مشهد يعكس هشاشة البنية الإنسانية داخل المخيم الذي يشتهر باسم كيه واحد وعشرين، والذي تحول إلى رمز لمعاناة ممتدة تعصف بالمدنيين منذ سنوات.

ويؤكد سكان المخيم، بحسب تقرير نشره المرصد السوري لحقوق الإنسان الخميس، أن موجات الغلاء في حلب أصبحت عبئاً يضغط على تفاصيل حياتهم البسيطة، فالأسعار ترتفع بصورة متكررة وغير مبررة في ظل غياب الرقابة التموينية، بينما يلجأ التجار إلى رفع أسعار المواد الأساسية والمحروقات بعد كل إعلان عن زيادة الرواتب في المنطقة، لكن تلك الزيادات التي يفترض أن تحسّن وضع العائلات تفقد قيمتها فور صدورها، إذ يبتلعها التضخم وتقف عاجزة أمام تسارع الارتفاعات، ويشير النازحون إلى أن الدخول اليومية لم تعد تكفي لتأمين الغذاء الأساسي، وأن الغالبية تعيش الآن على الحد الأدنى من الحاجات الضرورية أو أقل من ذلك في كثير من الأحيان.

تهديد الصحة العامة

لا يقتصر التراجع على الجانب الاقتصادي فقط، فالوضع البيئي داخل المخيم يشهد انهياراً مقلقاً بحسب شهادات الأهالي، وتتراكم أكوام القمامة بين الخيام دون وجود خطة واضحة للإزالة أو متابعة منتظمة للنظافة. 

ومع ارتفاع درجات الحرارة نهاراً وانعدام إجراءات الوقاية، تنتشر الحشرات والزواحف التي تهدد الأطفال بوجه خاص، بينما لا تتوفر حملات رش مبيدات يمكن أن تحد من المخاطر الصحية المتزايدة، وفي ظل غياب وجود مراكز صحية فعالة، يتحول أي مرض بسيط إلى تهديد يفتقد أصحابه القدرة على الحصول على علاج مناسب.

ومع دخول فصل الشتاء، تتضاعف المخاوف داخل المخيم، فالعائلات التي تستقبل البرد بخيام مهترئة لا تملك الوقود ولا وسائل التدفئة اللازمة، ويقول السكان إنهم لم يحصلوا على مخصصات التدفئة المعتادة، وإن المساعدات المالية والغذائية توقفت عن معظم الأسر منذ فترة طويلة، وفي ظل انعدام الموارد، تنتشر أساليب بديلة خطرة يلجأ إليها الأهالي مثل إشعال مواد بلاستيكية أو نفايات داخل مواقد بدائية، ما يعرضهم لخطر الاختناق والحرائق، أما النساء فهن الأكثر تضرراً، إذ يحملن عبء توفير الطعام والحماية لأسرهن في ظروف لا توفر أي عوامل استقرار.

معاناة إنسانية

يرى سكان المخيم أن الوضع الراهن تجاوز حدود القدرة البشرية على الصمود، وبدأ يحوّل الحياة اليومية إلى صراع مستمر مع الجوع والبرد والمرض، ويشيرون إلى أن غياب الاستجابة الإنسانية الفعالة جعل المخيم يعيش حالة من الحرمان المعيشي وانعدام الأمن الغذائي، كما تتفاقم نتائج ضعف الخدمات الصحية وغياب برامج الدعم النفسي، ما يضاعف معاناة الأطفال الذين يكبرون في بيئة غير آمنة ولا مستقرة، بينما يواجه كبار السن والمرضى صعوبة في الحصول على الرعاية اللازمة، ويعتبر الأهالي أن استمرار هذا الإهمال يشكل تهديداً مباشراً لاستقرار آلاف الأسر التي لا تملك القدرة على تغيير واقعها أو مغادرة المخيم.

يطالب سكان المخيم، عبر المرصد السوري لحقوق الإنسان، بضرورة إصدار لائحة رسمية تضبط أسعار المواد الأساسية والمحروقات بشكل فعّال يمنع الاستغلال، إضافة إلى إعادة تفعيل الرقابة التموينية، ويرى الأهالي أن توفير احتياجات المخيم الأساسية من نظافة ورعاية صحية ومواد تدفئة ومساعدات غذائية لم يعد خياراً متاحاً للتأجيل، بل ضرورة عاجلة تمنع تفاقم الأزمة. 

ويؤكدون أن التدخل السريع قد ينقذ آلاف المدنيين من الانزلاق نحو وضعية إنسانية أشد قسوة، خاصة مع دخول الشتاء الذي يفرض واقعاً أكثر تحدياً على العائلات الضعيفة.

معاناة تتجاوز حدود الاقتصاد

الأزمة في كفركرمين ليست مجرد أزمة معيشة، بل أزمة كرامة إنسانية، فالنازحون الذين فروا من مناطق الصراع بحثاً عن الأمان يجدون أنفسهم اليوم محاصرين بعوامل الفقر والمرض وغياب الرعاية. وتواجه النساء بوجه خاص ضغوطاً كبيرة نتيجة مسؤولياتهن داخل الخيام، حيث يتحملن عبء حماية الأسرة وتأمين الغذاء في غياب معيل أو دعم، كما يدفع الأطفال الثمن الأكبر، إذ ينقطع معظمهم عن التعليم ويعيشون في بيئة تفتقر إلى المساحات الآمنة للنمو والتعلم، وهذه الظروف تخلق جيلاً جديداً يواجه تحديات نفسية واجتماعية تمتد آثارها إلى المستقبل.

شهد شمال غرب سوريا موجات نزوح واسعة منذ عام 2012 نتيجة العمليات العسكرية وتغير خريطة السيطرة، ما أدى إلى تكدس المخيمات وارتفاع اعتماد السكان على المساعدات الإنسانية. 

وتشير منظمات أممية إلى أن أكثر من أربعة ملايين شخص يعيشون في المنطقة، نصفهم تقريباً من النازحين، بينما يرزح أكثر من ثمانين في المئة من السكان تحت خط الفقر، ومع تراجع التمويل الدولي خلال الأعوام الأخيرة، باتت المخيمات تعاني من تقليص كبير في البرامج الإغاثية، في وقت تتزايد فيه الاحتياجات مع تعاقب الفصول وتدهور البنية الخدمية، ويعد مخيم كفركرمين واحداً من عشرات المخيمات التي تواجه تحديات متشابهة من ارتفاع الأسعار وتوقف المساعدات وضعف الرقابة، ما يجعل سكانها عرضة لأزمة معقدة تتداخل فيها الأبعاد الاقتصادية والإنسانية والصحية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية